نهضة الأردن المعرفية: 5 آثار اقتصادية واجتماعية لارتقاء الاردن في مؤشر المعرفة العالمي

نبض البلد -
كتب المحاضر والمدرب بالتمكين السياسي والاقتصادي: فارس متروك شديفات.
يشهد الأردن تقدماً ملحوظاً على مؤشر المعرفة العالمي (Global Knowledge Index) لعام 2024، حيث قفز إلى المرتبة 88 بين 141 دولة مقارنةً بالمرتبة 97 في عام 2023، مما يُعد مؤشراً واضحاً على نجاح السياسات الوطنية في مجالي التعليم والابتكار.
فمؤشر المعرفة العالمي (GKI)، هو إطار شامل لتقييم جاهزية الدول من منظور المعرفة والابتكار، وأُطلق هذا المؤشر بالتعاون بين برنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP) ومؤسسة محمد بن راشد آل مكتوم للمعرفة منذ عام 2017.
ولعل من المناسب أن نذكر ان مؤشر المعرفة العالمي (GKI)، يعالج سبعة محاور تشمل التعليم قبل الجامعي، والتدريب التقني والمهني، والتعليم العالي، والبحث والابتكار، وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات، والبنية التحتية المعرفية، والبيئة المؤسسية، هدفه تمكين صانعي القرار من تعزيز قدرات مجتمعاتهم على مواجهة تحديات الاقتصاد المعرفي العالمي المتسارع.
وفقًا لما سبق، فقد حقق الأردن تقدماً ملحوظاً في عام 2024، إذ ارتقى 9 مراكز ليصل إلى المرتبة 88 عالمياً من أصل 141 دولة، مقارنةً بالمرتبة 97 من بين 133 في 2023، وبالقيمة العددية فقد سجّل المؤشر للأردن 44.2 نقطة من 100 تقريباً، محرزاً تحسناً ملموساً مقارنةً بالعام السابق.
وفي ذات السياق، ومقارنة الأردن بترتيب بعض الدول العربية نجد ان الإمارات العربية المتحدة الأولى عربياً و26 عالمياً بقيمة 60.9 نقطة، وقطر تأتي في المركز الثاني عربياً وعالمياً ضمن المراكز الثلاثين الأولى، والأردن الثالث عربياً، مما يعكس جهوداً وطنية متسارعة في تطوير القطاعات المعرفية.
وإذا ما حللنا الامر، واستعرضنا الآثار الاقتصادية والاجتماعية لتقدم الأردن على مؤشر المعرفة العالمي GKI، فيُمكن أن يؤدي تحسن ترتيب الأردن على مؤشر المعرفة العالمي إلى تحولات عميقة على المستويين الاقتصادي والاجتماعي، تنعكس إيجاباً على حياة المواطن والدولة ككل.
اقتصادياً، سيعزز التقدم في المؤشر على جذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة، خاصة في قطاعات التكنولوجيا والابتكار، وهو ما يتوقع أن يرفع قيمة الاستثمارات بنحو 15–20% خلال السنوات الخمس القادمة وفق تقديرات بعض المؤسسات الإقليمية، مما يخلق فرص عمل جديدة.
وبلا شك، فان التقدم على مؤشر المعرفة العالمي GKI، سيدعم تنويع القاعدة الاقتصادية، بدلاً من الاعتماد شبه الكلي على القطاعات التقليدية كالسياحة والتحويلات الخارجية، إلى اقتصاد معرفي أكثر تنوعاً، مما يزيد من مرونة الاقتصاد الأردني أمام الأزمات والتقلبات العالمية.
اجتماعيًا، يُؤثر التقدم على مؤشر المعرفة العالمي (GKI)، من خلال دعم البحث العلمي وتحسين جودة التعليم، مما يعزز مهارات القوى العاملة، ويزيد براءات الاختراع المحلية، ويُقلل من هجرة العقول إلى الخارج.
حيث يُقدَّر أن 45% من خريجي التخصصات العلمية يهاجرون سنويًا بحثًا عن فرص أفضل، لذا فإن رفع جودة البحث والتعليم قد يُخفض هذه النسبة بما يصل إلى 10 نقاط مئوية خلال 3 سنوات.
كما أن تعزيز البنية التحتية المعرفية يسهم في تقليص الفجوة التنموية بين المدن والأطراف، عبر توسيع برامج التدريب التقني والمهني في جميع المناطق، مما يُحقق العدالة الاجتماعية ويُقلل نسب البطالة.
وبناء على المعطيات السابقة، ولتحقيق أقصى استفادة للارتقاء بالمؤشر فان المطلوب اتخاذ إجراءات محددة، كتعزيز الشراكات مع القطاع الخاص لاستحداث مختبرات ومراكز ابتكار مشتركة تسهم في نقل التكنولوجيا وتوطينها.
وضرورة تحديث المناهج التعليمية لربطها بمتطلبات الاقتصاد الرقمي والابتكار ومواكبة المهارات المطلوبة في الثورة الصناعية الرابعة.
ولضمان التقدم على مؤشر المعرفة العالمي ((GKI، لا بد من الاستمرار بتحسين البنية التحتية التكنولوجية وإصلاح البيئة التشريعية بتوسيع نطاق الإنترنت فائق السرعة، وتشجيع ريادة الأعمال الرقمية، خاصةً في مجال الذكاء الاصطناعي، وتبني سياسات مستقرة لدعم الاستثمار في قطاعات المعرفة، كتخفيض الضرائب على الشركات الناشئة في مجال التكنولوجيا.
فرفع مهارات القوى العاملة من خلال التدريب المستمر والابتكار في المناهج يرفع من جاهزية الشباب لسوق العمل، ويزيد من حصتهم في القطاعات عالية الإنتاجية.
بفضل هذه الإجراءات العملية، سيتمكّن الأردن من تعزيز مكانته المعرفية على المستوى العالمي، وتحقيق نموٍ اقتصاديٍ مستدامٍ، وعدالةٍ اجتماعيةٍ تنعكس إيجاباً على حياة كل مواطن أردني.
فعلى المدى البعيد، سيُساهم هذا التقدم في خلق مجتمع أكثر إنتاجية واستقراراً، حيث تُظهر الدراسات أن كل (1%) زيادة في مؤشر المعرفة يقابله (0.3%) نمو في الناتج المحلي الإجمالي، وفقاً لبيانات البنك الدولي.
إنّ تحسن ترتيب الأردن على مؤشر المعرفة العالمي ليس مجرد رقم، بل هو مؤشر حقيقي على بزوغ اقتصاد جديد يرتكز إلى رأس المال البشري والابتكار.
هذه الآثار المتسلسلة تُظهر أن المعرفة ليست رفاهية، بل هي أساس لنهضة شاملة تمس كل بيت أردني، فالأردن، بموقعه الجغرافي وموارده البشرية المؤهلة، قادر على تحقيق قفزة نوعية إذا حوّل الخطط إلى أفعال ملموسة، فاقتصاد المعرفة، أصبح أساس البقاء في سباق التقدم.