نبض البلد - د. حسين البناء
الأردن ليس بحديث عهد بالديمقراطية والانتخابات والحزبية؛ فلقد تشكلت فيه حكومة حزبية نيابية في 1956 برئاسة (سليمان النابلسي) كزعيم ائتلاف حزبي نيابي قاده (الحزب الوطني الاشتراكي) آنذاك.
الظروف والتقلبات المحلية والإقليمية والدولية انعكست بقوة على المشروع السياسي الوطني؛ بدءًا بقيام دولة إسرائيل وما تبعه من هجرة وحروب، ثم وحدة الضفتين، فالمد القومي الناصري في الخمسينات، ثم احتلال الضفة الغربية وما تلاه من قرار فك الارتباط، فأحداث المنظمات الفدائية بمطلع السبعينات، والسلام مع مصر في كامب ديفيد، ثم حرب العراق وإيران، فاحتلال الكويت وحرب الخليج، ثم انهيار حلف وارسو وتفتت السوفييت، ثم اتفاقية سلام وادي عربة ومن قبلها أوسلو، والأزمة الاقتصادية عام 1989 وحراك الجنوب الذي أفضى لعودة الانتخابات النيابية وقانون الأحزاب. جميع هذه الأحداث ألقت بظلها الثقيل على مسارات التنمية والتطوير والاستقرار؛ الأمر الذي شكّل كوابح تاريخية موضوعية أعاقت تراكم البناء السياسي وأطرت اتجاهات الحركة الآمنة للدولة.
أطلقت مؤخرًا وبالتزامن خطتين للتحديث السياسي والاقتصادي برعاية ملكية مباشرة لتضع خارطة طريق شاملة تأخذ بالدولة لآفاق أفضل، ولتكون عابرة للحكومات ولتثّمل استراتيجية دولة ذات نهايات آمنة وثابتة ومدعومة رسميًا وشعبيًا. كان من ضمن ما جاء فيها الاتجاه نحو تراكم عمل سياسي وتعديلات قانونية ودستورية تفضي لتشكيلات حزبية نيابية يمكنها لاحقًا تشكيل حكومات في إطار ما مازال بحاجة لمزيد من الإيضاحات وإزالة لبعض المخاوف والعقبات.
الحديث عن حكومة حزبية و/أو نيابية ينبغي مناقشته في إطارين: الأول دستوري قانوني، والثاني عملاني موضوعي، حيث نصَّ الدستور الأردني في المادة رقم (1) على أن : "النظام نيابي ملكي وراثي..." ويمكن تصنيف النظام الأردني على أنه يعتبر "ملكيًا دستوريًا" بطبيعة الحال وبحكم المواد الدستورية التي توضح وتوزع السلطات والصلاحيات بين جميع مراكز النفوذ والسلطة في الدولة، أما الحكومة النيابية فهي قد تكون غير دستورية حاليًا؛ حيث أناط الدستور أمر الحكومة بإرادة ملكية منفردة وصريحة، حسب نص المادة رقم (26) منه كما هي: "تناط السلطة التنفـيذية بالملك ويتولاها بواسطة وزرائه وفق أحكام هذا الدستور".
يتطلب تحقيق الحكومة النيابية أو الحزبية تعديلًا دستوريًا ينص على ذلك، أو قيام الملك بحكم صلاحية إرادته الدستورية بتكليف شخص ما أو كتلة ما ذات الأغلبية بتشكيل حكومة تبقى قائمة بإرادة ملكية فقط، تبدأ بها وتنتهي بإرادة الحل لها، وهنا تتولد معضلة الفصل بين السلطات؛ فلا يجوز للنائب أن يكون وزيرًا بذات الوقت، إلا إذا استقال من مجلس النواب، وهنا سوف يشغر مكان النائب فيتوجب قيام الهيئة المستقلة للانتخاب بإحلال شخص آخر مكانه من المرشحين الذي يليه بعدد الأصوات حسب الترتيب في نتائج الاقتراع، أو إعادة إجراء الانتخاب في دائرة ذلك النائب الذي أصبح وزيرًا، كما يتم في حالات وفاة النائب أو استقالته أو فقد مقعده بالمجلس، وهذا أمر مرهق فنيًا، ومتى تم حل الحكومة فينبغي إعادة الوزير للنيابة وإعادة النائب الشاغل البديل لمنزلته القانونية السابقة. وهذا كله تصوّرات تحتاج لتفاصيل أكثر وضوحًا في الناحيتين الفنية والقانونية.
يبقى هناك خيار آخر أكثر عملانية وهو تكليف الأغلبية الحزبية أو النيابية بتشكيل الحكومة ولكن من غير النواب أنفسهم، بحيث يكون الطاقم الحكومي وزراء من خارج مجلس النواب، قد يبدو هذا أكثر عملانية لكنه أقل قبولًا من جهة مجلس النواب؛ حيث أن النائب طامح لتوزير نفسه ربما أو تكتله أكثر من توزير من هم خارج المجلس بغض النظر عن مرجعيتهم.
جاءت نتائج انتخاب مجلس النواب الحالية في ظل قانون انتخاب جديد أتاح للناخب صوتين: الأول للقائمة/الكتلة المحلية في الدائرة الانتخابية، والثاني للقائمة/الكتلة الوطنية الحزبية.
بلغت نسبة المشاركة 33% على مستوى المملكة، أفرزت 32 مقعدًا في القائمتين المحلية والوطنية لحزب (جبهة العمل الإسلامي) وتشكيلة واسعة من الأحزاب والأفراد الآخرين، الأمر الذي يؤكد مقولة: "أن تركيبة مجلس النواب هي نتاج مباشر لقانون الانتخاب وللممارسات الرسمية ذات العلاقة".
في ضوء ذلك فقد تجدد الحديث عن الاستمرار بزيادة نسبة القائمة الحزبية لتكون مستقبلًا هي كامل مقاعد مجلس النواب، وهذا يترافق مع جدل حول واقعية ودستورية الحكومات الحزبية النيابية.