الاردن بين صداعين غربا وشمالا

نبض البلد -
عمر كلاب


ليس بحكم حساسية اللحظة, واشتراطاتها القاسية على الظرف الاردني, ولا لخلل مصنعي فيها, تعكف الديبلوماسية الاردنية على الحراك الساخن, دون الجلوس على مائدة المفاوضات, في مشهدية غزة الصعبة, التي يبدو ان كل حلولها معلقة في الفضاء, بانتظار لحظة الحقيقة على الارض, فملف غزة مصري بامتياز, والاردن يدرك ذلك جيدا, ويحترم هذه الخصوصية, بوعي وادراك, فلحظة الحقيقة في الضفة الغربية ليست بعيدة, وهنا لن تمنع قوة على الارض الاردن من الجلوس على الطاولة مباشرة, ولعل مهارة الابتعاد مع الحضور في التفاصيل, هي إدّخار سياسي اردني للحظة الحقيقة في الضفة ولغيرها من مناطق الاحتكاك الخشن مع الكيان العنصري.

موقف الاردن من مبادرة ترامب, واستعير مصطلح مبادرة من شخصية ديبلوماسية وازنة, رفضت وصف ما قدمه الرئيس الامريكي بالخطة, لانها تفتقد عناصر الخطة ابتداءً, هو تقليل الخسائر, فالاردن وضع هدفه, بوقف الابادة والمجزرة في غزة, اولا, ولم تتوفر هذه الخطوة الا عبر مبادرة الرئيس الامريكي, لذلك وبواقعية سياسية اعتادها الاردن وبات من خبرائها, بادر الى الترحيب والموافقة, فليس على الطاولة الدولية مبادرة قابلة للتطبيق الفعلي, لوقف الابادة الا تلك المبتادرة, وما كان ممكنا التفريط بها, وعلى قاعدة نعم ولكن, واظنها ادارة جديدة للملفات الخارجية, تفوق انتاجيتها, لا ولكن, او العودة عن اللا, ومقدار الكلفة من دم وضحايا.

ناهيك عن ان الرئيس الامريكي, لا يمتلك فكرا ايديولوجيا, بل هو كما يقدم نفسه رجل صفقات, وهنا بالتحديد, تأتي مهارة " نعم ولكن ", فشخصية ترامب لا تقبل ال " لا " , وبحكم انها ليست ايديولوجية تقبل التغيير والتعديل, وقد شهدنا ذلك اكثر من مرة في الموقف من غزة, الذي ابتدأ بالتهجير, وانتهي بالتطوير على حد تعبيره, وهناك الكثير من الامثلة, التي تمنح التكتيك الجديد بالموافقة مع التعديلات, اسبقية ايجابية, والهدف الاردني كما اسلفت, هو منع او التقليل من ارتدادت ما يجري في غزة على الضفة الغربية, فهذا خط دفاع اردني واضح, ونجحت الديبلوماسية الاردنية, في تحقيق اختراق بذلك, من خلال تصريح امريكي بأن التهجير من الضفة لن يحدث, صحيح ان نتن ياهو وحكومته العنصرية, اقرت ضم الضفة بالقراءة الاولى, لكن ثمة بارقة امل ضمن المتاح دوليا.

الصداع النصفي في الرأس الاردنية او " الشقيقة ", بات صداعا كاملا, مع انتقال السويداء او محاولة نقلها الى الحضن الصهيوني, وفقا لسلوك طيف درزي يقوده الهجري, وهنا تنتقل الديبلوماسية الى خانة واقعية ايضا, فالواقعية لا تعني دفن الرأس في الرمال او التفريط والقبول ب "الامر الواقع", فالمسافة طويلة بين الواقعية التي يتقنها الاردن, بين الرضوخ للامر الواقع, فالاردن وبصرامة بالغة, واستعداد الى الاحتكاك الخشن او الصدام فعلا, لن يسمح ان تطوقه اسرائيل من الشمال, كما لن يسمح بالتهجير من الضفة, وهو جاهز لكل الاحتمالات, واعني بالضبط كل الاحتمالات, ومن يرقب حركة وتحركات اسود الاردن, من القوات المسلحة يدرك تماما, معنى كل الاحتمالات.

الاردن يمتلك المعرفة والمهارة, وهذا مطمئن, ولكن هل الفضاء العربي الذي يتحرك فيه الاردن, صديق له ولمواقفه, وكذلك الفضاء الاسلامي؟ الاجابة ليست متسرعة, " نعم " , فموقف العربية السعودية جذري في مسألة التطبيع قبل الدولة الفلسطينية, وكذلك موقف المجموعة العربية الالسلامية, هذا المنتج الجديد على الساحة الديبلوماسية, والذي ابدى حتى اللحظة مهارة وصلابة في التعامل مع الاحداث, بانتظار ما ستسفر عنه الاجتماعات في تركيا اليوم, واظنها لن تخرج عن تثقيف موقف نعم ولكن, وتبدأ بإنزال الحلول المعلقة في السماء الى ارض الواقع, على القاعدة الهبية التي اشتقها الملك عبد الله الثاني بفائض عبقرية, " تطبيق السلام نعم, فرض السلام لا " فالاردن وان كان يعلم ان حل الدولتين صعب ومعقد, الا انه يؤمن بتوفير على الاقل الحد الادنى من خماية حل الدولتين.

omarkallab@yahoo.com