نبض البلد -
محمد الخضير
فعلى غرار ما نشهده في أرض الكنانة الحبيبة، التي رغم ما تواجهه من تحديات جسام أدركت أهمية إبراز جذورها التاريخية وصون ذاكرتها الحضارية، فإننا في الأردن أحوج ما نكون اليوم إلى مشروع وطني يوثّق عمقنا الحضاري، ويجسّد الدور التاريخي والإنساني للأردني عبر العصور.
فالأردن ذاكرة تاريخ، وفاعل في صياغة الحضارة الإنسانية منذ فجر التاريخ؛ من الكنعانيين والأدوميين والمؤابيين والعمونيين والأنباط، مرورًا بالفرس واليونان والرومان، وصولًا إلى تعاقب الحضارات على هذه الجغرافيا المباركة التي كانت مسرحًا لخطى الأنبياء والرسل والصالحين من أتباع الديانات، وشاهدةً على تنوّع ثقافي وروحي فريد.
ولعل من اللافت أن الأردن يزخر بأكثر من مئة ألف موقع أثري، منها ستة عشر ألفًا مسجلة ، وسبعة مواقع مُدرجة على قائمة التراث العالمي لليونسكو — وهي أرقام تعكس حجم الغنى التاريخي الذي يستحق أن يُجسَّد في متحف وطني جامع يليق بهذه المكانة الفريدة.
من هنا، أوجّه الدعوة إلى من يعنيهم صنع القرار لتأسيس متحف وطني شامل يعكس هذا الغنى التاريخي ويعيد الاعتبار لدور الأردن في تشكيل الوعي الإنساني. فمثل هذا المشروع لا يُعدّ ترفًا ثقافيًا، بل ضرورة حضارية ووطنية كبرى، تكرّس الأردن بوصفه حاضنة للتنوّع الديني والثقافي، وتُعزّز حضوره في المشهد الثقافي الدولي.
كما سيُشكّل هكذا مشروع مرجعًا للأجيال القادمة، يوثق مسيرة الحضارات التي تعاقبت على أرض الأردن، ويحفظ الذاكرة الوطنية، ويبرز الوجه المشرق للاردن بوصفه مهد حضارةٍ وإنسانٍ ورسالةٍ عبر الزمن.
وفي السياق ذاته، سيكون هذا المشروع رافعة اقتصادية وسياحية مهمة، تُقدّم الأردن بمنظور جديد ذي أبعاد ثقافية وتاريخية، تعيد الذاكرة الإنسانية إلى مهد التاريخ، وتؤكد مركزية الفعل الحضاري الأردني في بدايات التاريخ الإنساني في الشرق.