ترامب وكرة الثلج ...

نبض البلد -
ترامب وكرة الثلج ...

هناك قرارات لا رجعة بعدها، وما تقوم به أمريكا والكيان يضع المنطقة والعالم والصديق والعدو في موقف يجب عليه مراجعة حساباته، هل هذا يحدث في السياسة فقط، أم في كل شيء هناك تصور وهناك واقع، هناك جرة من السمن معلقة فوق رأس الراعي، وهناك أحلام في رأس الراعي، عندما بدأت كل هذه الأحداث في هذه المنطقة من العالم هل كان أحد يتصور ما أن هذا ما سيحدث، عندما بدأ ترامب إجراءاته التصويبية أو التحريرية كما يدعيها، هل كان يتخيل حجم الأمور المترابطة مع بعضها، وحجم تأثير الدومينو الذي سيحدث، والذي سيمس كل شيء. 

أنت ترى خطأ هنا أو خطأ هناك، وتريد أن تقول كلمة تدفع صاحب العلاقة لإصلاح الأمر، أو مجرد أن ترفع إشارة الإصلاح، أو عصا التصويب إذا كان الأمر يتعلق بك بشكل مباشر، فتصوب تصرف إبن أو تنتقد تصرف الزوجة أو أحد الأطراف، ثم تنفرط المسبحة.

 وتكتشف أن شبكة العلاقات المحيطة بهذا الأمر قد تأثرت بكل الأحداث السابقة، وإن هناك تراكمات كبيرة موجودة، ويحدث الشرخ الخطير، ما قام به ترامب هو من هذا القبيل، فهو ظن أن المؤسسات الفيدرالية تسيء التصرف إداريا وماليا، وهذا قد يكون، ولكن ما أن تدخل هذا العش من الدبابير حتى تكتشف أن ما تقوم به هذه المؤسسات يؤثر بكل العالم حولك، ويتحكم في الكثير من المفاصل، نعم تقوم هذه المؤسسات بتجاوزات مالية في الصرف او التعيين أو تحديد الجهة الأكثر نفعا لأمريكا، ونعم هناك تضخم وهناك إساءة تصرف ووو، ولكن هذه المؤسسات تتحكم بالكثير من المفاصل التي تعود بالفائدة على أمريكا، وإذا مسست بها فإن شبكة كاملة خلفها تتأثر وقد تكون لها عواقب غير محمودة. 

وقام بوقف الدعم الفني لصواريخ موجهة أمريكية منحت لأوكرانيا فتصبح هذه الصواريخ التي يصل ثمن الواحد منها إلى حوالي مائتين ألف دولار تقريبا، دمى وإلعاب نارية قد تذهب سدى بدون  الدعم والتوجيه الأمريكي، وهنا أنت تريد أن تعاقب زيلنسكي على موقفه معك، ولكنك في الحقيقة وضعت كل سوق السلاح الأمريكي في خانة عدم الثقة، وتتردد البرتغال وكندا والإتحاد الأوروبي ويخرج سكرتير الدفاع الألماني السابق بتصريح يشكك في وجود أو عدم وجود المفتاح القاتل في الإسلحة الأمريكية، والذي يخرجها عن الخدمة، وتقف الدنمرك في موقف الأسف لأن أسلحتها وطائراتها الأمريكية لن تساعدها إذا أرادت أمريكا أنتزاع الجزيرة التي يريدها ترامب قاعدة له في تلك المنطقة، وبعدها يبدأ الجميع في البحث عن البديل، فالولايات المتحدة تبيع السلاح وتتحكم بالتشغيل والصيانة، وهنا أتذكر تلك السيارة الخارقة التي أطلقتها أحدى الشركات لزبائنها الأغنياء بين قوسين يدفع الغني ثمنها، وتبقى السيارة في الشركة ولكنها مملوكة لهذا الشخص، فهو يستخدمها وفق رغبات الشركة، فالحيازة والقدرة على التشغيل ومتى وكيف ولماذا تتحكم به جهات أخرى، هذا أدخل سوق السلاح الأمريكي كاملا في حيز عدم الرغبة أو السعي للتخلص منه، ودب الرعب في السوق. 

ويبدو أن صاحبنا ترامب يتقن تماما مفهوم إثارة الرعب في الأسواق، ولكن هل يدرك مدى هذا الرعب، ويملك المفاتيح للتحكم به وتوجيهه، أم أنه يلقي قنبلة وينتظر النتيجة، فهو أثار الرعب في السوق المالي والصناعي والتجاري وسلاسل التوريد والعملات والنفط والذهب والعملات الإلكترونية وسويفت وارعب الصديق والعدو، هل بقي مجال لم يتأثر بترامب وقرراته، ولكن هذه الحالة الفريدة التي يخلقها هذا الرجل ماذا سيكون أثرها على العالم. 
فهنا تحرك أوباما ليقول لأمريكا بأن سياسات ترامب خطيرة ويجب مواجهتها بحزم، ومنعه من تحقيق ما يصبو إليه لأن ذلك لن يكون في مصلحة أمريكا، في محاضرة ألقاها في كلية هاميلتون، وجه انتقادات حادة لسياسات الرئيس دونالد ترامب، داعيًا الأمريكيين، خاصة في الأوساط الأكاديمية والقانونية، للدفاع عن القيم الديمقراطية حتى لو تطلب ذلك تضحيات شخصية، وانتقد التعدي على الحريات وسياسة الإلغاء الثقافي، والتهديد بقطع المنح والمساعدات التي تمنح للجامعات بناء على مواقفها السياسية، وهناك مواقف حادة ظهرت هنا وهناك من المكسيك وكندا وماكرون وغيرهم. 

هل تتدحرج كرة الثلج التي يلعب بها ترامب وتخرج عن السيطرة، هذا ممكن وهذا من مصلحة الكثيرين، وهناك من يسعى لذلك حتما، ولكن ما هو أثر هذه الكرة، ومن ستمس ومن سيصطلى بنارها الحارقة، هناك مراحل في التاريخ تضرب بها حالة عدم الثقة، وتتسارع الأحداث بشكل لا معقول ونصل إلى مرحلة من عدم الثقة المتبادل بين كل الأطراف، عندها تصبح نقطة اللاعودة أقرب من أي وقت مضى، وعد بالذاكرة قليلا او كثيرا، ستجد الكثير من هذه المفاصل في الزمن، فنقطة أنطلاق الدين الإسلامي في الجزيرة كانت من هذا القبيل، وصل الصراع الحضاري بين الفرس والروم وحلفائهم نقطة الإنهاك الحضاري، ونقطة وصول هت،،لر إلى السلطة كانت من هذا القبيل، وهنا ظهرت امريكا، مستغلة حكمة وحنكة ساستها، وقدرتها البشرية والصناعية والطاقة الكامنة الشابة المستعدة للإنطلاق، ولكن كما هي جملة من الظروف الزمانية والمكانية والشخصية والإجتماعية المناسبة التي تساعد في قيام حضارة، هي أيضا جملة من الظروف الزمانية والمكانية والشخصية والإجتماعية التي تساعد على إندثار أخرى. 

هل يشهد العالم أحداثا متسارعة تغيير وجه العالم، كما يحدث في كل فترة من الزمن، وهنا خطر لي حديث النبي صل الله عليه وسلم ان الله يبعث على رأس كل مائة عام من يجدد للأمة دينها، فهل يبعث الله على رأس كل مائة عام من يعبث بإستقرارها وأمنها ليحقق التمحيص والتدافع والابتلاء والإصطفاء بينها.

إبراهيم أبو حويله...