هل موظفو القطاع العام وحدهم ذو كشرة؟

نبض البلد -
هل موظفو القطاع العام وحدهم ذو كشرة؟
د. أيوب ابودية
 
تعتبر الاختلافات الثقافية جزءًا أساسيًا من طبيعة المجتمعات البشرية. فقد تختلف أساليب التعامل مع الناس في مختلف المناطق، وتُعَدّ التحية والاستقبال والضيافة عند استقبال الزبائن أحد أبرز مظاهر هذه الاختلافات. عند النظر إلى الفرق بين الثقافات في أوروبا والبلاد العربية، قد نلاحظ تباينًا في أسلوب الترحيب والمعاملة؛ ففي بعض دول أوروبا، يستقبل الزبون بعبارات ودودة مثل "أهلاً سيدي، كيف أستطيع أن أخدمك؟"، بينما في بعض الدول العربية، قد يجد الزبون أن التعامل يتم بطريقة أقل دفئاً أو حتى ببرود أو كشرة في بعض الأحيان. فما هو سبب هذه الفروقات، وما العوامل التي تسهم فيها؟

الثقافة الأوروبية تميل إلى تبني معايير واضحة وعريقة عراقة المجتمع الرأسمالي المدني للتعامل التجاري والتي تتعلق باحترام الزبون وتقديم أفضل خدمة ممتازة. في هذه المجتمعات، تُعَد الخدمة جزءاً أساسياً من تجربة التعامل واللباقة والاحترام، حيث يعتمد نجاح الأعمال التجارية على رضا الزبائن. لذا، يركز العاملون في متاجر أوروبا والعالم المتقدم على الود والانفتاح في التعامل، معتبرين أن الزبون دائماً على حق ويستحق أفضل خدمة. تتعلق هذه العادات بالتقاليد التي تشجع على الاحترافية والتفاني في العمل، بالإضافة إلى أهمية الدور الاقتصادي للسياحة والتجارة في هذه البلدان، ما يفرض عليهم تحسين جودة التعامل باستمرار.

في المقابل، نجد أن المجتمعات العربية، ربما باستثناء لبنان وسوريا ومصر والمغرب وتونس، تتبنى أنماطًا مختلفة من التعامل قد تعتمد على التقليد والقيم الاجتماعية. يُعزَى هذا الفارق أحيانًا إلى وجود هيكلية هرمية أقوى في العلاقات الاجتماعية بين الأفراد، حيث قد يشعر بعض الموظفين بالتفوق أو التمييز على أساس مهنتهم أو نوع العمل الذي يقومون به، ما يؤدي إلى جمود في التعامل مع الزبائن. كما قد يؤثر تفاوت مستوى التدريب والخبرة لدى بعض العاملين في القطاع الخدمي على نوعية استقبال الزبائن.

كنت أظن أن موظفي الدولة وحدهم أصحاب كشرة مميزة، ولكن اتضح لي أن الكثير من المؤسسات الخاصة كذلك، بما في ذلك البنوك والمولات الضخمة. فما السبب؟

الاقتصاد والظروف المحيطة بالمؤسسات التجارية تشكل عاملاً مهمًا في نوعية الخدمات المقدمة. ففي البلدان الأوروبية، غالبًا ما تتوفر للموظفين في قطاع الخدمات تدريبًا مخصصًا لتحسين مهاراتهم في التعامل مع الزبائن. هذا التدريب يشمل تعلم تقنيات الترحيب، وفهم احتياجات الزبائن، وتقديم الخدمة بطريقة لبقة ومهنية ومحببة.

أما في بعض البلدان العربية، فقد يكون العاملون في هذا القطاع أقل تدريبًا أو لا يتمتعون بالمستوى الكافي من التأهيل المهني. وقد يعود ذلك إلى قلة الموارد المتاحة للمؤسسات أو ضعف الاهتمام بتطوير المهارات الشخصية والمهنية للعاملين، أو الواسطة، ما ينعكس في النهاية على سلوكياتهم تجاه الزبائن. إضافةً إلى ذلك، فإن الضغوط الاقتصادية قد تجعل الموظفين في بعض الأحيان يشعرون بالإرهاق أو الإحباط، مما يؤثر على أدائهم اليومي.

كما ان الأوضاع السياسية والاقتصادية في بعض الدول العربية قد تؤثر على المزاج العام للمجتمع. الأزمات المتكررة والضغوط الحياتية تجعل بعض الأشخاص يتعاملون مع الآخرين بأسلوب أقل انفتاحًا وودًا. الموظفون الذين يعملون في بيئات مضغوطة أو غير محفزة قد يجدون صعوبة في تقديم الخدمة بجودة عالية وابتسامة عريضة وصبر كبير.

من جهة أخرى، تتميز المجتمعات الأوروبية بثقافة عامة تميل إلى التفاؤل والانفتاح والتعامل المباشر مع الزبائن كجزء لا يتجزأ من العمل. يُشجَّع الموظفون على التفاني في العمل والاعتناء بالزبائن لضمان نجاح المؤسسة وتحقيق الأرباح والحصول على مكافات..

الحلول الممكنة
للتغلب على هذه الفروقات وتحسين جودة التعامل مع الزبائن في العالم العربي يمكنها أن تسهم في تطوير هذا المجال، فمن الضروري توفير برامج تدريبية مكثفة للعاملين في قطاع الخدمات لتعزيز مهاراتهم في التعامل مع الزبائن، وتعلم كيفية تقديم خدمة محترفة ومحترمة. وهذا يستدعي الاهتمام بالبيئة التي يعمل فيها الموظفون، وتوفير بيئة محفزة وداعمة لهم، يساعد في تحسين جودة الخدمة.

كذلك تطوير سياسات لتحفيز العاملين على تقديم أفضل ما لديهم من خلال مكافآت أو ترقيات بناءً على الأداء، ومراقبتهم لضمان الأداء الأمثل.

وهناك ضرورة لرفع مستوى الوعي حول أهمية تقديم خدمة جيدة والابتسام في وجه الزبائن كجزء من ثقافة التعامل العام يمكن أن يساهم في تحسين تجربة الزبائن. ويمكن لاخصائيين وأطباء نفسيين العمل على تحضير خطة وطنية لذلك، فالمسألة ليست مجرد سلوك طائش أو كشرة، بل عمود من أعمدة الاقتصاد السياحي والعلاج. وأعتقد أن مؤسسات المجتمع المدني والمنظمات الأجنبية غير الحكومية يمكنها أن تلعب دورا مهما في هذا المجال.

في النهاية، يمكن القول إن الاختلاف في أسلوب التعامل بين الثقافات يرجع إلى عوامل ثقافية واجتماعية واقتصادية وسياسية متعددة. اذ يتطلب تحسين جودة التعامل مع الزبائن في العالم العربي جهدًا مشتركًا من المؤسسات التجارية والمجتمع، من خلال الاستثمار في تدريب الموظفين وتحفيزهم، مع الحفاظ على قيم الاحترام المتبادل والانفتاح في التعامل والحشمة.