"ترامب" بين الفوضى والدهاء

نبض البلد -
عبدالكريم سليمان العرجان

في عالم يموج بالتحولات العنيفة والصراعات المحتدمة، دخلت الإدارة الأمريكية الجديدة بقيادة دونالد ترامب البيت الأبيض بأسلوب غير مسبوق، أشبه بضربة شطرنج غير متوقعة قلبت رقعة السياسة الدولية رأسا على عقب، لم يكن ترامب مجرد رئيس تقليدي يتبع نهج المؤسسات الأمريكية العريقة، بل جاء بعقلية رجل الأعمال، حيث لا مكان للالتزامات الطويلة أو التحالفات الثابتة، بل صفقات مؤقتة تُبنى على الربح السريع والخسارة الفورية، مهما كان الثمن.

منذ اللحظة الأولى، تعامل مع السياسة الدولية وكأنها ميدان مزاد مفتوح، حيث تُباع التحالفات وتشترى وفق منطق العرض والطلب. فرض تعريفات جمركية قاسية على الصين، مما دفع العالم إلى أتون حرب تجارية شاملة أثرت على الأسواق العالمية، وتسببت في خسائر تقدر بمئات المليارات وأجبرت الشركات الكبرى على إعادة ترتيب استثماراتها، أما في الشرق الأوسط، فقد كان نهجه أشبه بزلزال سياسي، حيث فرض واقعا جديدا عبر "صفقة” واتفاقيات اقتصادية، لكنه ترك وراءه ملفات ملتهبة كالقضية الفلسطينية، التي أصبحت أكثر تعقيدا بعد تهميشها لصالح تسوية جديدة تتجاهل الحقوق الأساسية للشعب الفلسطيني

هنا يبرز السؤال الحاسم؟ هل نحن أمام فوضى سياسية غير محسوبة، أم أن ترامب يمتلك خطة خفية لا يدركها إلا من يعرف أساليب رجال الأعمال في التفاوض؟ البعض يرى أن ما يقوم به ليس إلا تكتيك "الارتباك الاستراتيجي”، حيث يدفع خصومه وحلفاءه إلى حالة من عدم اليقين، تُجبرهم على التفاوض بشروطه، لكن آخرين يحذرون من أن هذه السياسات قصيرة النظر قد تتحول إلى قنبلة موقوتة، إذ أن تفكيك النظام العالمي دون تقديم بدائل قوية قد يؤدي إلى انهيار التحالفات التقليدية، ويفتح الباب أمام منافسين مثل الصين وروسيا لتصدر المشهد.

والسؤال الأكثر خطورة هنا: ماذا لو كانت هذه الفوضى بداية النهاية للهيمنة الأمريكية؟ هل يمكن أن يتحول النهج الترامبي إلى عامل تسريع لأفول نجم واشنطن كقوة عظمى؟ في عالم السياسة، لا شيء يُترك للصدفة، لكن ما هو مؤكد أن الولايات المتحدة لم تعد اللاعب الوحيد الذي يُملي قواعد اللعبة، بل أصبحت جزءا من فوضى عالمية صنعتها بنفسها، وربما تجد نفسها عاجزة عن احتوائها لاحقاً.