حادثة تدمر وتبعاتها على الحكومة السورية الانتقالية.

نبض البلد -

حاتم النعيمات


ليس من السهل على المتابع اعتبار الهجوم الذي استهدف أفرادًا أمريكيين قرب مدينة تدمر وكأنه مجرد حدث أمني، ولا حتى عملية إرهابية تقليدية تنفذها بقايا تنظيم داعش، بل يمكن التعامل مع هذه العملية كمؤشر سياسي وأمني لافت يولد سؤالًا جوهريًا حول تكوين الدولة السورية الجديدة، وحدود قدرتها (أو رغبتها) في تفكيك البنية المتطرفة التي ما زالت كامنة في جسدها.

كمين تدمر أوقع قتلى وجرحى في صفوف الأمريكيين وفق ما أُعلن رسميًا، وتم تنفيذه في منطقة يفترض أنها تحت سيطرة الدولة السورية وتحت رقابة التحالف الدولي لمحاربة داعش، وفي وقت تسعى فيها الحكومة الانتقالية السورية إلى الحصول على كل ذرة من التأييد والدعم الدوليين، لكن ما حدث أعاد جهود هذه الحكومة خطوات إلى الوراء، وقد يجبرها على الدخول في النقاشات تحت عناوين أوسع تمثلها هذه الأسئلة: أولًا، مَن يحمي مَن؟. ثانيًا، هل يستطيع التطرف في سوريا ابتزاز السلطة باعتباره شريكًا في عملية إسقاط الأسد أم أنه فعلًا يمثل جزءًا من بنية الدولة التي ربما قد تستخدمه كمخلب يومًا ما بعد تدمير الجيش السوري السابق؟

أهم صفة في تنظيم داعش أنه لا يتحرك بمعزل عن البيئات الحاضنة، أو على الأقل البيئات ذات المرونة الفكرية، سواءً بفعل ضعف تواجد الدولة؛ فتدمر مثلًا تعتبر منطقة ضعف تنموي وقد كانت دائمًا مسرحًا للعمليات الإرهابية.

كنتيجة لهذا الحادث، تواجه الحكومة السورية الجديدة امتحانًا حقيقيًا، خصوصًا أنها تسعى لتقديم نفسها كشريك في محاربة الإرهاب. ولا بد من الإشارة هنا إلى أن الحكومة تملك قدرات ليست بالهينة (رغم ضعف التسليح) على محاربة تنظيم كداعش بحكم أنها احتكت معه كثيرًا أثناء مرحلة الاقتتال معه قبل سقوط الأسد، وبحكم انتقال العديد من أفراد داعش إلى جبهة تحرير الشام، لذلك، فإن الانطباع السائد اليوم هو أن هناك بطء في عملية تنظيف الأجهزة، وضبط الأطراف المسلحة غير المنضبطة.

الهجوم يحمل رسالة مزدوجة؛ الرسالة الأولى من داعش، ومفادها أن التنظيم -رغم هزيمته العسكرية- لا يزال قادرًا على الوصول لخصومه، واختيار توقيتات ومواقع حساسة. أما الرسالة الثانية، وهي الأخطر بتصوري، فهي موجهة إلى المجتمع الدولي، وتحديدًا واشنطن بأن لا تراهنوا كثيرًا على الدولة السورية السورية الجديدة قبل اختبار عمقها الأمني.

رد الفعل الأمريكي لم يكن فقط تعهدًا بالانتقام، بل تأكيدًا على أن ملف مكافحة الإرهاب في سوريا لم يُغلق بعد، وهذا بطبيعة الحال يضيف بعدًا جديدًا للمشهد من خلال عودة واشنطن إلى دعم الأكراد والعشائر في الشرق السوري، مما قد يقوض جهود توحيد سوريا. أما سياسيًا، فإن واشنطن قد تعيد تقييمها للحكومة الانتقالية السورية، فمن نفذ العملية كان من ضمن الحراسة القريبة من الرئيس الشرع.


إذا كانت الحكومة السورية جادة في ادعاء القطيعة مع الماضي، فإن عليها أن تبدأ من الداخل: مراجعة الأجهزة، غربلة القيادات، محاسبة المتورطين، وتجفيف البيئات التي ترى في التطرف وسيلة ضغط أو ورقة تفاوض. أما الاكتفاء بإدانة الحادث واعتباره عملًا معزولًا، فلن يكون كافيًا، لا للأمريكيين والعالم، ولا لجيران سوريا، ولا حتى للسوريين أنفسهم.

حادثة تدمر تقول أن الدولة السورية لم تُشف بعد، وأن التطرف لم يُستأصل، وأن الطريق ما يزال طويلًا، فلغاية اليوم لم يتم استئصال الجذر الفكري للتطرف على الأقل، وما يتم هو مجرد تعامل أمني؛ فالكثير من الجماعات المشاركة في السلطة لم تقدم مراجعات فكرية لأتباعها، ولم تُعد تعريف مصطلحاتها وأعدائها.


من جهتنا، فالأردن مطالب بشكل دائم بالمشاركة في هذه "الطبخة" بوصفه الجار والمتضرر/ المستفيد من الوضع في سوريا، باستخدامه لتصوراته الخاصة دون الاعتماد الكلي على التصورات الأمريكية أو السورية مهما كان.