فوضى مواقع التواصل الاجتماعي، نداء استغاثة!

نبض البلد -
فوضى مواقع التواصل الاجتماعي، نداء استغاثة!

تتسارع التغيرات الرقمية من حولنا بشكل غير مسبوق، ولم يعد أي منا قادرا على متابعة وحصر هذه التقلبات؛ فالذكاء الاصطناعي يأخذ أدوارا متصاعدة أصبحت أكثر بشرية، والدول والمؤسسات أًصبحن ينظرن إلى هذه المجالات بوصفها مجالات حيوية لها الأولوية المطلقة.

وفي نفس الوقت ما زلنا بشكل أو بآخر نتموضع كمستهلكين للتقنية، وهذا الاستهلاك المتوافق مع الانفتاح على العالم يجعلنا في عرضة دائمة لما أجيزُ لي تسميته بالحروب الرقمية، خصوصا مع تحول تركز النشاط الاجتماعي من العالم الواقعي إلى الافتراضي، وقد ساهمت أزمة كورونا بهذا التحول بطريقة جذرية.

في هذا المقال أركز الضوء على أحد أهم المخاطر على المجتمع الأردني، وهي الانفتاح المطلق على مواقع التواصل الاجتماعي باختلاف ًأصنافها، وما لهذا من مآلات واجبة المتابعة، فالأمل أن يجد المكتوب أذهانا صاغية مشغولة بالهم الوطني.

بداية: الحملات الرقمية الموجهة، قنبلة العصر!

لا يخفى على أحد وجود كم مهول عالميا من الحسابات المزيفة والعاملة ضمن مزارع الذباب الإلكتروني، وإننا وإن عجزنا عن الحصول على بيانات موثوقة بعددها إلا أن تقديرات مرعبة تشير إلى كون 5% من حسابات فيسبوط تندرج ضمن هذا، وكان قرار شركة تويتر نهاية تشرين الثاني المنصرم علامة فارقة حيث تبين بعد الإفصاح عن المواقع الأصلية للحسابات عن وجود آلاف الحسابات الفاعلة في المنطقة العربية بشكل عنصري أو سلبي أو داعم لروايات الاحتلال؛ تبين إدارة هذه الحسابات ضمن شبكات منظمة تموضع عدد منها في الهند! فعلى صعيد الكوميديا السوداء يبدو أن الأمر يشبه البحث عن المناطق ذات الأيدي العاملة الرخيصة.

هذه الحملات والجيوش المنظمة تقوم بأدوار حساسة موجهة، والأمر يشبه الفوضى الخلاقة التي يستطيع ملاك مزارع الذباب ضرب استقرار أي بلد فيها، والمتابع للفضاء العام الأردني سيجد آثارا ملحوظة لهذا، سواء بمئات التعليقات المسيئة والحادة نحو الأردن كدولة ونظام سياسي من حسابات ركيكة واضحة التزييف، أو تلك الحسابات المتقنة التي تثير عوامل الفرقة وتعزز الخطاب العنصري.

المقلق فيما سلف لا يقتصر على شقه الإلكتروني، بل على انتقال هذا الخطاب شيئا فشيئا إلى الشارع، ولعل التربويين والمحتكين باليافعين في المدارس والجامعات الأكثر دراية بهذا؛ فالتنابز والتشاحن يأخذان مساحة متصاعدة، وهذا حسب الخلفيات الاجتماعية على صعيد الجد والهزل، ومظاهر الانسلاخ عن القضايا المحلية والإقليمية والنظر لكثير من الجرائم والفظائع نظرة ساخرة، بل والتمجيد لرموز مجرمة بائدة من باب المناكفة، كل هذه الأنماط وغيرها أصبحن آفات منتشرة معششة في عقول المرحلة العمرية المعول عليها قيادة المستقبل.

والباحث قي جذور هذا سيجده متصل رأسا بمواقع التواصل الاجتماعي وفواعلها من حسابات محلية أو عربية تعزز هذه الخطابات الممزقة لنسيج المجتمع، دون أن نعرف سليمها من مزيفها وذبابها بطبيعة الحال.

ثانيا: الانسلاخ الثقافي والأخلاقي، انحدار مقلق.

كانت التفاهة والسذاجة ورداءة المحتوى سمة بارزة للمحتوى القصير المصور، وغلب على "المؤثرين” المحليين تبني هذا المحتوى، واستطاع هؤلاء الحفاظ على مكاسبهم وتنميتها بشطل مطرد، ليتحول الفارغ إلى قدوة وأنموذج، والسفيه إلى مثال يحتذى به، وفشلت حملاتنا للحد من هذا، والفوضى في هذا الحقل تزداد ضراوة.

المراقب للمحتوى المصور المنشور دون الانخراط فيه سيعرف مستوى الانحطاط الحالي، فمع سهولة إنتاج وتوليد المحتوى بالذكاء الاصطناعي أصبح الفضاء الرقمي مليئا بما لا ينفع، وما زلنا بعيدين عن إيقاف هذا رغم مخاطره الجسيمة، فالمجلات العلمية تتزاحم بالأبحاث حول مفاهيم تعفن الدماغ وتدمر البنى الذهنية، والمنغمسون في هذه الأمراض العصرية لا يشعرون بمدى تراجعهم الإدراكي مع تبني أدوات الذكاء الاصطناعي القيام بمهامهم الفكرية، وكأننا في حلقة مترابطة لتدمير الأدمغة!

ثالثا: المحتوى الإباحي، إلى نمو!

وعطفا على ما سبق في الجزئية الثانية فتجدر الإشارة إلى أنماط جديدة من صناع المحتوى العابرين للحدود والمحليين أحيانا والذين يدور محتواهم في فلك الإباحية والخلاعة واللعب على الأوتار الغريزية، بل إن عددا لا يستهان به من نجوم الإباحية يمتلكون الآن منصات للتواصل الاجتماعي يحاورون بها المتابعين ويشاركونهم أنماط حياتهم بصفتهم نماذج.

إن المحتوى "الغريزي” في تصاعد مستمر، وتستمر أدواره بحط القيم والأخلاق واستمرار تدمير الدماغ تنشط بشكل عنيف، عداك طبعا عن استغلال أدوات الذكاء الاصطناعي في هذا لتوليد صور ومقاطع فائفة الإبداع من حيث إبراز المفاتن "المثالية” وكل هذا على حساب الحالة النفسية للمتابعين المتراوحين بين ضخ الدوبامين ونشاط مراكز المتعة في الدماغ إلى الواقع البائس شديد البعد عن الأفيون المستمر.

رابعا: المحتوى العنيف، مقتل لنا.

يستسيغ الناس شيئا فشيئا صور الدمار من كل مكان، فأصبح من الطبيعي الانتقال من صور الدم والقتل والحوادث العنيفة إلى غيرها من المحتويات، وفي هذا التنقل يمر المتابع بما يشبه بتفتيت ضميره وسلخ قلبه، فمع مرور الوقت سيقع في براثن الاكتئاب الحاد أو أن يصاب بالتبلد واستساغة المناظر البشعة.

مخاطر هذا المحتوى لا تتوقف هنا، بل تستطيل إلا المشاعر العامة بالخوف والرعب من القوى والغازية، وهذا ما سيكون له آثار مؤسفة في حال وقوع مواجهة مع أي معتدٍ.

خامسا: النصب والاحتيال، عجلة لا تتوقف.

لا شك أنك تعرضت إلى محاولة واحدة على أقل تقدير للنصب والاحتيال، وستكون من الناجين إن لم تقع في واحدة منها؛ فأصناف هذه العمليات لا تعد ولا تحصى، فمنها ما يكون بالتسول والاستعطاف أو الوعد بالربح السريع وتغذية الطمع بمشاريع وهمية.

كما يعج الفضاء الرقمي بمؤسسات منظمة تقوم بهذه الأدوار، سواء بجمع التبرعات دون توجيهها إلى مستحقين، أو الادعاء بتمثيل مؤسسات استثمارية موثوقة، وهذا حقل شاسع.

ختاما..

بعد كل ما سبق، أرجو اعتبار هذه دعوة مفتوحة إلى المؤسسات التعليمية والتربوية والمشرعين والأجهزة المختصة بضرورة وضع خطة وطنية شاملة ترفع الاهتمام بالعالم الرقمي من تنقية المحتوى الهابط والخطير بمخاطبة مزودي الخدمات الرئيسيين، وتفعيل القوانين الضابطة لهذا، والعمل على رفع وعي اليافعين وتنبيههم لمخاطر العالم الرقمي؛ فالغالبية المجتمعية أصبحت بطبيعتين رقمية وواقعية تسيران بتناغم وتأثر دائم، فالاهتمام بهذا الملف له أولوية أراها من الأهم حاليا، ولا يفوتني توجيه الشكر والتقدير لكل الناشطين في مجال التوعية هذا.

يزن عيد الحراحشة.