عايش: الحديث عن "اجندات خارجية" تمنع الاردن من استغلال موارده غير واقعي
الصادق: "الريشة" من الحقول الواعدة وانسحاب( B p )يثير التساؤلات
بلاسمة: عقبات داخلية تمنع استثمار النفط الأردني
الأنباط – عمر الخطيب
بدأت منصات التواصل الاجتماعي تتحول إلى ساحات نقاش حامية حول "الذهب الأسود الأردني”، حيث يتقاذف المستخدمون الأقاويل حول النفط والغاز بين من يراه ثروة مدفونة تحت الرمال، ومن يراه وهماً متداولاً بلا دليل، فيما تلتزم الجهات الرسمية صمتاً يثير مزيداً من التساؤلات، ويغوص الخبراء في أعماق البيانات الجيولوجية والمسوحات الزلزالية باحثين عن إجابات علمية واضحة.
وبين كل ذلك، يتساءل الشارع الأردني: هل النفط في الأردن سر من أسرار الطبيعة الخفية؟ أم أن هناك من يمنع عنّا ثرواتنا الوطنية؟
تفاوتت الآراء على المنصات بين من يرى أن الاتفاقية الموقعة مع الشركة الكويتية لحفر 80 بئراً في حقل الريشة الغازي بقيمة 174 مليون دولار تمثل "هدرًا للمال العام”، وبين من يعتبرها استثمارًا جريئًا نحو تحقيق حلم الاكتفاء الطاقي. وفي المقابل، يرى آخرون أن أي فشل استكشافي هو "كارثة وطنية”، متجاهلين أن صناعة النفط والغاز بطبيعتها مليئة بالمخاطر، وأن الفشل المبكر جزء من الرحلة العلمية الدقيقة نحو النجاح.
الشارع الأردني ما زال يطالب بالشفافية وبالكشف عن حقيقة ما يجري، متسائلًا عن مصير الثروات الطبيعية وفرص العمل التي يمكن أن توفرها، بينما تتوزع الردود بين مؤيد يرى أن الحكومة تعمل بصمت لتحديث الاقتصاد الوطني، ومعارض يعتقد أن هناك "قوى خفية” تتحكم بالملف وتمنع استثمار الثروات الوطنية. وفي ظل هذا الغموض، يبقى السؤال مفتوحًا: هل سيبقى نفط الأردن دفينًا، أم أن هناك من سيجرؤ على كشف أسراره يوماً ما؟
المبالغة في الطرح تضعف مصداقية النقاش
الخبير الاقتصادي حسام عايش يرى أن الحديث عن "أجندات خارجية” تمنع الأردن من استغلال موارده الطبيعية طرح مبالغ فيه وغير واقعي، متسائلًا: "لماذا يُمنع الأردن وحده من استخدام ثرواته، في حين أن إسرائيل تستخرج الغاز وتبيعه، ولبنان وسوريا ومصر أعلنت جميعها امتلاكها لمصادر غاز؟”
وأضاف عايش أن العالم اليوم يتجه نحو عصر الطاقة الذكية والنظيفة، في وقت ما زال البعض يتحدث عن منع الأردن من استغلال الوقود الأحفوري، معتبرًا أن هذا الطرح فقد معناه في ظل التحولات الجارية في أسواق الطاقة العالمية. وقال: "ما الفائدة من إبقاء النفط والغاز في باطن الأرض؟ ومن المستفيد من ذلك أصلًا؟”
وأوضح أن الأردن يستثمر بالفعل في الفوسفات والبوتاس والنحاس، وليس هناك ما يمنعه من تطوير أي مورد آخر إن ثبت وجوده وجدواه الاقتصادية، مؤكدًا أن المبالغة في الحديث عن المؤامرات باتت وسيلة "لصناعة نجوم” أكثر من كونها نقاشًا علميًا موضوعيًا.
80بئراً لا تعني نجاحاً مؤكداً
ويؤكد عايش أنه لا يمكن التعامل بجدية مع ما يُنشر عبر مواقع التواصل الاجتماعي دون الرجوع إلى مصادر رسمية موثوقة، مشيرًا إلى أن المرجعية في مثل هذه القضايا يجب أن تكون للحكومة أولاً، ثم للخبراء والدراسات الدولية الصادرة عن جهات مثل وكالة الطاقة الدولية وأوبك.
وأوضح أن حفر 80 بئراً في حقل الريشة لا يعني بالضرورة نجاحها جميعًا، فبعضها قد يفشل وأخرى قد تنجح، وهذه طبيعة العمل الاستكشافي. مضيفًا أن التجربة بحد ذاتها مشروعة ومطلوبة ما دامت الحكومة تتابعها وتستفيد من نتائجها.
وشدد على أن الحكومة لا مصلحة لها في إعلان معلومات غير دقيقة أو تحمل مسؤولية تصريحات غير مؤكدة، لافتًا إلى أن العلاقات الأردنية–الكويتية المتينة تتيح التعاون المباشر في مثل هذه المشاريع دون الحاجة إلى مبادرات فردية أو تكهنات إلكترونية.
المصداقية تُبنى على إعلان حكومي مسؤول
وأكد عايش أهمية أن تُبنى النقاشات على أساس علمي ومهني بمشاركة شخصيات معروفة بخبرتها، معتبرًا أن المعيار الحقيقي هو ما تعلنه الحكومة رسميًا وتلتزم به أمام المواطنين، داعيًا إلى انتظار توضيحات من وزارة الطاقة أو مجلس النواب حول ما يجري في ملف الريشة.
الجانب العلمي: رحلة دقيقة نحو الاكتشاف
من جانبه، أوضح خبير الطاقة الدكتور زهير الصادق أن اكتشاف النفط عملية علمية دقيقة لا تقوم على التخمين، بل تمر بمراحل تبدأ بالدراسات الجيولوجية وتنتهي بالحفر الإنتاجي. وأوضح أن تحديد المكامن يعتمد على المسوحات الجيوفيزيائية التي تُظهر الطبقات الصخرية والقباب المحتملة لتجمع النفط أو الغاز.
وبيّن أن بئرًا واحدة لا تكفي لتقدير الكميات بدقة، إذ يجب حفر عدة آبار لتحديد الامتداد الحقيقي للمكمن والتأكد من قابليته للإنتاج التجاري.
الريشة الغازي.. إمكانات حقيقية وإخفاقات تنفيذية
وأشار الصادق إلى أن حقل الريشة الغازي شرق الأردن يُعد من الحقول الواعدة التي أثبتت الدراسات وجود كميات تجارية فيها منذ سنوات، مشيرًا إلى أن طرح الحكومة لعطاء حفر 80 بئراً جديدة يبرهن على وجود إمكانات حقيقية.
وأضاف أن تجربة شركة بريتش بتروليوم(BP)التي انسحبت بعد أربع سنوات دون إنتاج يُذكر رغم وصفها الحقل بـ”الواعد”، ما زالت تثير تساؤلات حول أسباب الانسحاب سواء كانت مالية أو سياسية.
النفط الثقيل في الأزرق.. ثروة مؤجلة
وبيّن الصادق أن الأردن يمتلك احتياطيات معتبرة من النفط الثقيل في منطقة الأزرق، لكنها غير مستغلة بسبب كلف الإنتاج العالية والحاجة إلى تكنولوجيا متقدمة لتحفيز تدفق النفط. وأشار إلى أن دولاً مثل كندا وفنزويلا نجحت في استثمار هذا النوع بفضل التطور التقني، بينما لا يزال الأردن يعتمد على وسائل تقليدية لا تواكب المعايير الحديثة.
وأوضح أن ضعف التمويل وغياب الجدية في المتابعة عطّلا مشاريع استخراج النفط الثقيل رغم المؤشرات المشجعة في الأزرق والمناطق المجاورة.
قرارات فوقية عطلت استثمار الثروة الوطنية
ويرى الصادق أن ملف الطاقة في الأردن لا يزال محكوماً بعوامل سياسية وإدارية عطلت استثمار إمكاناته الحقيقية، مضيفاً أن "كل مرة يقترب فيها الأردن من تحقيق اكتفاء نسبي، تتغير التوجهات أو تتوقف المشاريع دون مبررات واضحة”.
وأشار إلى أن دراسات سابقة كشفت عن تراكيب واعدة في الصفاوي والحسينية يمكن إعادة تقييمها بتقنيات المسح الزلزالي الحديثة، مؤكداً أن القرار الشجاع وحده كفيل بإطلاق مرحلة جديدة من استثمار الثروة الوطنية.
الأمن الطاقي لا يتحقق إلا برؤية متوازنة
وأوضح الصادق أن التحول نحو الطاقة المتجددة لا يعني إغلاق ملف النفط والغاز، بل يجب أن يكون جزءاً من رؤية متكاملة توازن بين الكلفة والأمان الطاقي. واستشهد بتجربة الإمارات التي تطور حقولها النفطية بالتوازي مع مشاريع الهيدروجين الأخضر والطاقة الشمسية، مؤكداً أن الهدف هو تحقيق أمن طاقي متنوع ومستدام.
ودعا إلى إطلاق برنامج وطني شفاف لإعادة تقييم الموارد الطبيعية بمشاركة الجامعات والمراكز البحثية الأردنية، مشدداً على أن الأردن يمتلك المقومات لكن تنقصه الإرادة والتمويل.
تكلفة الحفر مبررة فنياً
من جهته، أوضح خبير الطاقة فراس بلاسمة أن اتفاقية شركة البترول الوطنية مع الشركة الكويتية للحفريات بقيمة 174 مليون دولار لحفر 80 بئراً في حقل الريشة ليست رقماً مبالغاً به، مشيراً إلى أن متوسط كلفة البئر الواحدة – نحو 2.1 مليون دولار – يقع ضمن المعدل الطبيعي في الحقول العميقة.
وأوضح أن حقل الريشة معروف بصعوبته الجيولوجية، إذ أن الغاز فيه منخفض الضغط ومتقطع الجريان، ويحتاج إلى تقنيات متقدمة لرفع كفاءة الإنتاج.
الفشل جزء من العملية النفطية
وبيّن بلاسمة أن فشل بعض الآبار لا يعني فشل المشروع، فمعدل النجاح العالمي في المراحل الأولى من الاستكشاف لا يتجاوز 35%، مضيفاً أن "العبرة ليست بعدد الآبار الفاشلة، بل بكمية البيانات التي توفرها لتحديد مواقع النجاح”.
وأكد أن التقييم العلمي وحده هو الذي يحدد إن كانت المشكلة فنية أو اقتصادية أو إدارية، داعياً إلى عدم تحويل أي تجربة استكشافية إلى قضية رأي عام قبل اكتمال دراستها الفنية.
الاكتشاف الحقيقي لا يُبنى على بئر واحدة
وأوضح بلاسمة أن إعلان اكتشاف حقل بعد حفر بئر أو بئرين فقط أمر غير علمي إطلاقاً، مشيراً إلى أن الاكتشاف يتطلب دراسات زلزالية وتحليلاً جيولوجياً ثلاثي الأبعاد لتحديد الامتداد الحقيقي للمكمن، معتبراً أن المبالغات الإعلامية تسيء إلى وعي الجمهور وتشوّه صورة العمل العلمي الرصين.
العقبات داخلية لا خارجية
ويرى بلاسمة أن الحديث عن "أجندات خارجية” تمنع استثمار النفط الأردني هو مبالغة، فالعقبات الحقيقية داخلية تتمثل في ضعف التمويل، ونقص الكفاءات الجيوفيزيائية، وتباطؤ القرارات الحكومية، مشيراً إلى أنه "لو كانت هناك ثروة نفطية مؤكدة لتسابقت عليها الشركات العالمية، فالسوق لا يترك ذهباً مدفوناً بدافع الأجندة”.
ودعا إلى فتح بيانات حقل الريشة أمام الجامعات والمراكز البحثية المحلية لتعزيز الشفافية وبناء الثقة الوطنية في ملف الطاقة بعيداً عن الشك والاتهامات.