الرياضات الإلكترونية: من شغف الشباب إلى صناعة المستقبل

نبض البلد -

عاصم المعايطة

شهدت الرياضات الإلكترونية في الأردن خلال السنوات الأخيرة نقلة نوعية مع ازدياد الاهتمام الرسمي بها، وهو ما تجسد بشكل خاص برعاية ودعم صاحب السمو الملكي الأمير عمر بن فيصل، رئيس الاتحاد الأردني للرياضات الإلكترونية. فقد أسهمت رعايته وتنظيمه لبطولات عربية كبرى في العاصمة عمّان، مثل النسخة الرابعة من الدوري العربي للرياضات الإلكترونية بمشاركة 18 دولة وفريق خاص باللاجئين، في وضع الأردن على خارطة هذه الرياضة الحديثة وتعزيز مكانته كمنصة إقليمية للمواهب الرقمية. كما أن تكريم سموه من قبل الاتحاد العربي للرياضات الإلكترونية، خلال اجتماع الجمعية العمومية الذي جمع ممثلين عن 20 دولة عربية، شكّل اعترافًا بجهود الأردن في إنجاح هذا الحدث وترسيخ حضوره في صناعة تشهد نموًا عالميًا متسارعًا.

التجارب الدولية تؤكد أن الاستثمار في الرياضات الإلكترونية ليس ترفًا، بل خيار استراتيجي. في كوريا الجنوبية، على سبيل المثال، تحولت هذه الرياضة منذ مطلع الألفية إلى صناعة منظمة مدعومة من الحكومة، مع تأسيس اتحادات رسمية وبث مباشر على قنوات تلفزيونية وطنية. واليوم، تعد سيول واحدة من العواصم العالمية للرياضات الإلكترونية، إذ تحتضن بطولات تستقطب آلاف الزوار وتدر عوائد سياحية واقتصادية ضخمة. أما في الصين، فقد وصلت إيرادات سوق الرياضات الإلكترونية إلى أكثر من 400 مليون دولار سنويًا، واعتُمدت اللعبة كرياضة رسمية ضمن بعض المنافسات الآسيوية، ما يعكس إدماجها في المشهد الرياضي الوطني. حتى في أوروبا، خصص الاتحاد الأوروبي برامج دعم للرياضات الإلكترونية باعتبارها جزءًا من الاقتصاد الرقمي، إدراكًا لأثرها في خلق فرص عمل جديدة تتراوح بين التدريب، والإدارة، والبث الرقمي، والإنتاج الإعلامي.

الدراسات الحديثة حول الرياضات الإلكترونية تكشف عن أبعاد اقتصادية واسعة لهذه الظاهرة. فبحسب مؤسسة "Newzoo"، تجاوزت إيرادات القطاع عالميًا 1.8 مليار دولار في عام 2023، مع توقعات بوصولها إلى أكثر من 3 مليارات دولار بحلول عام 2027. كما أظهرت دراسات صادرة عن جامعة ستانفورد أن اللاعبين المحترفين في الرياضات الإلكترونية يتمتعون بقدرات معرفية عالية في حل المشكلات المعقدة واتخاذ القرارات السريعة، وهي مهارات يمكن أن تُترجم إلى كفاءات عملية في بيئات العمل الحديثة.

وفي الجانب الاجتماعي، أثبتت أبحاث جامعة أكسفورد (2022) أن الاعتدال في ممارسة الألعاب الإلكترونية يساهم في تعزيز روح الجماعة ويكسر حواجز العزلة، وهو ما نلمسه في البطولات العربية التي ينظمها الأردن، حيث تحولت المنافسات إلى منصات تواصل وتبادل خبرات بين شباب من دول متعددة.

تجربة الأردن، في ضوء هذه الأمثلة العالمية، تضعنا أمام حقيقة واضحة: الرياضات الإلكترونية ليست نشاطًا هامشيًا، بل رافعة اقتصادية واجتماعية وثقافية. ومن خلال الجهود التي يقودها سمو الأمير عمر بن فيصل، تتحول هذه الرياضة إلى مشروع وطني معاصر يستثمر في الطاقات الشبابية ويمنحها أفقًا رحبًا على المستويين العربي والعالمي.

إن الاستثمار في هذا القطاع يعني الاستثمار في المستقبل، في اقتصاد المعرفة، وفي صناعة تتيح للشباب الأردني والعربي فرصًا جديدة للإبداع والعمل. وهو استثمار لا ينفصل عن حركة العالم، بل يتناغم معها، ويمنح الأردن موقعًا رياديًا في فضاء رقمي تتسابق فيه الدول الكبرى لصياغة قصص نجاح جديدة.