مستشارية العشائر في الديوان الملكي تجسر الفجوة بين القانون وتطور العشيرة

نبض البلد -

نقلة نوعية في الحراك والحركة والمراجعات

أبو دلبوح: ضبط التدخل العشائري في حوادث السير إلا في محاولات القتل

المومني: 90% من قضايا القتل جرى حلها عشائريًا في العام الأخير

الأنباط- قصي ادهم

على سياج الوجود العشائري, الحارس للعاصمة عمان, ثمة مبنى يقابل البريد الأردني, ويحمي ظهر مؤسسة الإذاعة والتفزيون, لم يحظ بكثير متابعة ومراقبة, لما يدور في جنباته, التي شهدت لفترة طويلة كمونًا أو بياتًا شتويًا وصيفيًا وكل الفصول, ولعل دلالة المكان,تصلح لانطلاقة لقراءة العنوان, مستشارية العشائر في الديوان الملكي العامر, هذا المبنى الذي يقارب خلية النحل, في حركته وحراكه الآن, وسبق لكاتب المقال, أن زار المبنى وركن مركبته بسهولة ويسر, وزاره مؤخرًا وانتظر حتى وجد مكانًا شاغرًا لركن مركبته, وتلك دلالة على حجم الحضور والاشتباك مع ملف صمتنا عليه وعنه طويلًا, فشهد انكماشه ولولا خشية لقلت انتكاسة, قبل أن يعود إلى حضوره, فمؤخرًا انشغلت مواقع التواصل والأخبار, بجاهة صلح تمثل 3 ملايين أردني حسب العناوين الصحفية, ولا أظن العنوان جاء عبثًا, ويحتاج إلى مراجعة وقراءة.

العشيرة وفقهها ودورها وحضورها, سؤال كبير في الأردن, البلد الذي ينتمي مجتمعه إلى عشائره, سواء في الأرياف أو البوادي أو المخيمات, فلا يخلو ركن من أركان حي أو حارة, من ديوان لعشيرة أو رابطة لقرية أو مدينة, وهذا التجمعات تضيق وتكبر, حسب كثافة التواجد البشري, فإذا اكتمل نصاب عشيرة أو حمولة, بات المكان ديوانًا لها, أما إذا كان التواجد العائلي محدودًا فتجتمع العائلات في ديوان, وكأنها تعلن وجودها بشكل رسمي, وتحت عنوان عشائري, هذا العنوان الذي تعرض لهجمات شرسة, من تيارات ليبرالية متوحشة, لم تفهم كنهه وضرورته,رغم أننا نعيش في الأردن, أقل تعبير عشائري وقبلي قياسًا بالإقليم ودول الجوار, كما قال ذات مرة الدكتور عبد الرؤوف الروابدة رئيس الوزراء الأسبق.

الجاهة المليونية, التي قادها وجها وشيوخ كرام, نزعت صاعق انفجار, بين عشيرتين من كرام عشائرنا, واطفأت نارًا كادت تحرق سلمنا الاهلي, وهذا يفتح الباب لإعادة قراءة المشهد العشائري بشكل عام, بعد أن أغفلناه طويلًا, فهذه المهمة لا يمكن إنجازها بالمستوى الشُرطي أو الأمني فقط, بل تحتاج إلى هذا الجهد الكريم, فلماذا صمتنا طويلًا على محاولات شيطنة العشيرة, ولماذا تركنا الهوة تتسع بين تطور العشيرة البشري والجمعي, دون محاولة تطوير الإطار القانوني للقضاء العشائري, فقد رأينا كيف تطورت أدوات العشيرة من اختيار ممثليها من خلال صناديق الاقتراع, ومدى التطور الأكاديمي والمهني لأبناء العشيرة في ظل ثبات القانون, الذي تأخر عن مواكبة تطور المجتمع والعشيرة.

صحيح أن وزير الداخلية مازن الفراية قاد مبادرة مهمة لتطوير القضاء والأحكام العشائرية, لكنها بحاجة إلى جهد تثقيفي أكبر وإلى حماية وقبول شعبيين, وهذا ما تقوم به المستشارية حاليًا, مع وجود كفاءة استثنائية على رأسها, فالباشا كنيعان البلوي, طيار سابق في سلاح الجو, وشغل مناصب ومهام داخل السلاح, وربما ملكته الوظيفية واللغوية, تجعله قادر على العبور نحو أفق عشائري جديد, كما قال الشيخ والقاضي العشائري مازن المومني, الذي أضاف أن حنكة الباشا ومتابعته الدقيقة والدائمة, أوصلتنا إلى حل 90% من قضايا عالقة منذ العام 2009 وهي قضايا عشائرية شاقة لأنها مربوطة بالقتل, فقد نجحت المستشارية خلال أقل من عام في حل 440 قضية قتل عالقة من أصل 508 قضايا.

ثمة حراك جديد يدور في رحاب المستشارية, يقوده الباشا كنيعان, وهو إعادة الاعتبار لمفهوم الحراك العشائري في حوادث السير, الذي أرهق المجتمع والشيوخ, كما يقول الشيخ والقاضي العشائري عبد الله أبو دلبوح, بدل أن نترك هذا الأمر للقضاء ولشركات التأمين, باستثناء القضايا التي يكون فيها حادث السير أو الدهس متعمدًا وبقصد القتل, فالتدخل في الحوادث أرهق الشيوخ وأرهق الأهالي أيضًا, وفيه ربما اعتداء على حقوق قُصر وأيتام, مقابل عطوة أو جاهة, لذلك جرى اجتماع لشيوخ ووجها في المستشارية لحسم هذا الملف, الذي أرهق الجميع, ويقول أبو دلبوح: نجح الباشا كنيعان مستشار جلالة الملك لشؤون العشائر في إعادة الاعتبار لكثير من الأحكام والمسلكيات العشائرية, بشكل يحفظ هيبة القانون العشائري ويجعله مواكبًا للعصر ولطبيعة الحالة المجتمعية.

نتوءات كثيرة نمت على حواف الفهم العشائري, نتيجة الهوة التي توسعت بين مبنى ومعنى العشيرة, والقانون العشائري الذي لم يلحقه أي تطوير منذ قرنين على الأقل, سمح بأن يتسع الشرخ الاجتماعي, وتحديدًا بعد أن تدخلت الزبائنية في منح القاب وحضور لأشخاص, لا يمتلكون البنية الذاتية أو الاجتماعية لحمل هذا اللقب, وهذا يستدعي إعادة الاعتبار لكل هذه المفاهيم, فالعشيرة بناء اجتماعي أساس, وهي كما وصفها أحد الكتاب البارزين, حاملة الطائرات في الأردن للدفاع عن الدولة وقيمها, مما يجعل من العشيرة والاستشارية أيضًا وزارة دفاع اجتماعية ومجتمعية أو حارسة لمنظومة الأمن القومي الاجتماعي, يقودها اليوم نسر من نسور الجو الأردني, الذي رفض الإجابة على أسئلة كثيرة للأنباط, مكتفيًا بالقول انتظروا الأفعال القادمة, فنحن نحمل أمانة اولانا إياها جلالة الملك, ونسأل الله أن نكون أهلًا لها.