نبض البلد -
خليل النظامي
كانت شخصيتي فوضوية،، فوضى في الفكرة، وفوضى في المشاعر، وفوضى في التوقيت،،،
وكانت الروح تشبه غرفة صحفي أفلاطوني،، أوراقه مبعثرة، وعناوينه لم تكتمل، وقهوته باردة، وعيناه منهكتان من السهر، ومطفأة سجائر متعفنة تلتف حول عنقه،، لكن خلف هذا الركام، كانت تولد كل يوم يقظة ومعرفة وعلم،،،،
في الفوضى كنت أعيش الحرية بكل تفاصيلها، حرية أن تقول ما تشاء، كيفما تشاء، وقت ما تشاء، بلا قيد ولا مرجعية،،،
لكن الحرية وحدها لا تصنع الحقيقة، ولا تحمي القيم، ولا تبني المستقبل،،،
ومع كل تجربة مريرة، ومع كل خيبة جديدة، كنت أعيد تشكيل شخصيتي قطعة قطعة، كفنان يرمم جدارية رومانية قديمة بحذر ومحبة،،،،
ثم جاء بالأمس القرار،،،
أن تمحى الفوضى، لا بالتنكر لها، بل بفهمها،، وأن يكتب فصل جديد لا في الظلام، بل بنور الإدراك والعمق،،،
فبدأت بالتخلي عن العشوائية، ولبست رداء النظام، وأصبحت كل فكرة تخضع للتمحيص، وكل موقف يوزن بالمعرفة، وكل قول ينقح بالمسؤولية،،،
لم تعد اللحظة هي الحاكم الناهي، بل الرؤية، ولم يعد الانفعال هو المحرك بل التحليل،، ولم يعد السكون ضعفا بل حكمة،،
وتعلمت أن الترفع عن الصغائر ليس ضعفا، بل رفعة، وأن الانشغال بالمواقف الصغيرة يبدد الطاقة، ويهدر العمر في معارك لا تليق بي،،،
لم أعد ألتفت لكل من يحاول جري إلى مستنقع الجدل، أو يحاصرني بالتفاهة، فكلمتي اليوم أثمن من أن تقال في غير موضعها، ووقتي أكرم من أن يهدر على ما لا يثمر،،،
ولم أعد أبحث عن الصخب، بل عن التأثير، ولم أعد ألاحق كل ضوء، بل أصبحت أنير طريقي بنفسي، ولم أعد أكتب لأدعي الناس، بل لأحدث أثرا فيهم ولتبقى كلمتي بعدي شاهدة على التحول،،،
هذه ليست نهايتي، بل بدايتي،،،
شخصية تمحو ما سبق، لا لأنها تتنكر له، بل لأنها نضجت، ولأنها اليوم تدرك أن الصحفي الحقيقي لا يربك القارئ بصخبه، بل ينير له الطريق بهدوئه، وأن الكاتب الحق لا يصرخ في وجه العالم، بل يحاوره ويحتويه ويفهمه،،
انتهت شخصيتي الفوضوية…
وبدأ صوتي الحقيقي،،،