التنافس على سوريا: هل تواجه تركيا "اسرائيل" عبر الوكلاء؟

نبض البلد -

حاتم النعيمات

بات من الواضح أن هناك تنافسًا صامتًا بين "إسرائيل" وتركيا على النفوذ والمصالح في سوريا، وقد يشكل هذا التنافس تحديًا كبيرًا أمام عملية بناء الدولة السورية واستقرارها، وأمام فكرة استعادة دمشق لموقعها في المنظومة العربية.

نحن نتعامل اليوم مع تطور جديد في السياسة التركية، حيث تنازلت أنقرة إلى حدٍ كبير عن دعم الإخوان المسلمين كوكيل لتنفيذ مخططاتها الإقليمية بأدوات سياسية وإعلامية، ونُقل هذا الدعم إلى السلفية الجهادية العسكرية فكان المنطلق إدلب السورية بتدريب وتسليح الكثير من الجماعات وأهمها "هيئة تحرير الشام"، وتم بهذا التحول إنجاز عملية اسقاط نظام الأسد بتأييد دولي واسع، وتراخي روسي واضح تحدثت عنه تقارير إعلامية كثيرة.

هذا التطور في السياسة التركية يعني أنها توجهت لمن يستطيع إدارة القتال العسكري بدلًا من الذي كان يستخدم السياسة والإعلام.

تركيا متواجدة في الشمال السوري تحت عناوين أمنية واقتصادية وعسكرية واضحة؛ تحالفات مع بعض القبائل هناك، وتدريبات للجيش السوري الجديد، واستثمارات نمت بمقدار 37% في الشهور الأخيرة. وهذا طبيعي لأن مشروع التجمُّع في إدلب كان مشروعًا تركيًا بالأساس، بالتالي ما يحدث هو جنيٌّ لأرباح هذا المشروع كمواجهة الأكراد وعودة اللاجئين والغاز الطبيعي البحري والكثير من الموارد، فاختيار إدلب المتصلة جغرافيًا مع تركيا لم يكن عشوائيًا حيث شكلت المحافظة نقطة انطلاق وتدريب ودعم القوى التي تحكم سوريا اليوم، إذن هناك مشروع ومكاسب تركية تستحق أن تدخل لأجلها في مواجهة مع أي جهة حتى لو كانت "إسرائيل".

أما تل أبيب فقد استطاعت أن توفر لنفسها ميزة "الاستباحة عند الحاجة" في سوريا من خلال ضرب السلاح والمنشآت التابعة للجيش السوري السابق؛ بالمناسبة، ف"إسرائيل" تمكنت من "تثبيت" هذه الميزة في سوريا تمامًا كما فعلت على بقية جبهاتها، مثل لبنان وغزة والضفة والعراق وربما إيران. تريد "إسرائيل" أن تقول لتركيا أن ما كان يجري ضد التواجد العسكري الإيراني في سوريا يمكن أن يحدث ضد التواجد التركي العسكري التركي، حيث بلغت التوترات حدًا كبيرًا في نيسان الماضي عندما قصف جيش الاحتلال الإسرائيلي موقعًا كان قد خُصص لبناء قاعدة عسكرية تركية في سوريا. لذلك، يوجد اليوم خط عسكري ساخن بين الدولتين بحسب "الفايننشال تايمز" البريطانية لتجنب أي مواجهات. "إسرائيل" عبّرت صراحة عن أنها لا تريد أن استبدال النفوذ الإيراني بالتركي.

أعتقد أن على دول المنطقة قراءة "إسرائيل" بشكل مختلف بعد السابع من أكتوبر؛ حيث تورّمت الذات الإسرائيلية (للأسف) بعد أن حصلت على دعم أمريكي كبير وعلى شلال من الذرائع من قبل إيران وأذرعها، لذلك فإن التنافس بين تركيا و"إسرائيل" في سوريا قد يتحول إلى مواجهة بينهما في أي لحظة لأننا نتعامل مع نسختين جديدتين من السياسات التركية والإسرائيلية: تركية تعتمد على السلفية الجهادية الجديدة، وإسرائيلية بعد تمرس تل أبيب على التعامل مع جبهات متعددة بشكل متزامن.

ما يثير القلق في المشهد هو أن هاتين الدولتين قد تتصارعان على الساحة السورية لكن ليس وجهًا لوجه(!)، بل عبر وكلاء يتواجدون على الساحة السورية اليوم، وكلاء يتبع بعضهم لتركيا والبعض الآخر ل"إسرائيل" من تحت الطاولة. إذن، نحن أمام واقع قد ينفجر في أي لحظة، وأسوأ ما يمكن أن يحدث للمنطقة هو اندلاع حرب وكلاء جديدة.

 

لأجل هذا كله، فلا بد من تعزيز التنسيق بين الدول العربية لمنع حدوث تنافس عربي-عربي على الساحة السورية من جهة، وللتصدي لتفاعلات التنافس الإسرائيلي التركي من جهةٍ أخرى.

في خضم كل هذا يقوم الأردن بتعزيز العلاقات مع حكومة دمشق بحكم الجوار الجغرافي كحد أقصى، وهذا جيد من ناحية أنه تعامل عقلاني مع الواقع، لكنه لا يصل إلى مستوى يمكن من خلاله تشكيل "فعل" أردني يستطيع مواجهة نفوذ تركي متنامي، وتواجد إسرائيلي، وصراع وكلاء وارد. وقد يقول قائل أن هناك تنسيق أردني عالٍ مع تركيا وسوريا في عناوين أمنية ودبلوماسية كثيرة، وهذا صحيح، لكنه بلا ضمانات حقيقية أمام الأسلوب التركي المتقلب في إدارة العلاقات الدولية الذي مورس في عهد أردوغان، وأمام "اسرائيل" الحالية.

لا يمكن ضمان سلوك الدول الإقليمية (مثل تركيا وإسرائيل وإيران) خصوصًا إذا كانت ساحة الصراع بينها تقع خارج أراضيها، وبالتحديد إذا ضمنت أن المقاتلين هم عبارة عن وكلاء من غير مواطنيها. وهذه بالمناسبة ميزة منطقتنا التي تجعلها دائمًا ساحة للصراعات للأسف.