نبض البلد -
حاتم النعيمات
من المرجّح أن يزور الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عدة دول خليجية ابتداءً من منتصف الأسبوع الحالي، وهذه الزيارة مهمة لأن الإدارة الأمريكية الجديدة تسعى إلى إعادة تشكيل العلاقات الاقتصادية والسياسية بعد الهزة الكبيرة التي تعرضت لها المنطقة بعد السابع من أكتوبر.
يبدو أن واحد من أهم أهداف هو تعزيز التعاون الاقتصادي بين الولايات المتحدة ودول الخليج، وأقول "تعاون" لأن هناك من يريد تصوير هذه العلاقة بأنها لمصلحة طرف واحد، وهذا غير صحيح، فالرئيس الأمريكي يسعى إلى زيادة مستوى الاستثمارات والتبادل الاقتصادي في العديد من المجالات كالطاقة، والذكاء الاصطناعي، والمعادن الحيوية، والدفاع، وتسعى الدول الخليجية إلى الاستفادة من هذه الاستثمارات وإلى توسيع قاعدة المنافع السياسية بشكل أكبر.
العلاقات بين الولايات المتحدة والخليج هي علاقات تبادلية يستفيد منها الخليج كما تستفيد أمريكا، والدليل أن الدول الخليجية الشقيقة قد زادت مساحة حركتها باتجاه الصين وروسيا وإيران بعد زيارة ترامب السابقة عام 2017، وهذا يفنّد تلك الدعاية التي تريد تشويه صورة السياسة الخليجية الخارجية وتصويرها على أنها مكسب للولايات المتحدة لوحدها.
دليل آخر على ازدياد مساحة حركة دول الخليج العربي سياسيًا وهو أن السعودية -كأكبر دولة خليجية- أوقفت مفاوضات التطبيع مع إسرائيل بسبب الحرب على قطاع غزة، رغم أن التطبيع كان وما زال غاية رئيسية مُلحة للإدارات الأمريكية، والإدارة الحالية ليست استثناء. وقد أدت الحرب على قطاع غزة إلى تجمّيد مسار التطبيع برغبة منفردة من المملكة العربية السعودية؛ فالمملكة تُصر على وقف إطلاق النار في غزة كشرط أولي لاستئناف محادثات التطبيع وتفرض أن تقود هذه المحادثات إلى قيام دولة فلسطينية.
ورغم أن هناك فتورًا في اهتمام الإدارة الأمريكية الحالية في موضوع العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، إلا أن هناك توقعات بأن تضع دول الخليج ملف إنهاء العدوان على طاولة النقاش مع ترامب، مع ملاحظة أن ترامب لم يدرج إسرائيل ضمن جدول زيارته، مما قد يُفسَّر على أنه نوع من التوتر بين ترامب ونتنياهو، لأن الأخير -على ما يبدو- قد أمعن في ازدراء تعهدات ترامب التي أطلقها بداية ولايته، وهذا قد يكون مدخلًا جيدًا لفرض المصالح الفلسطينية والعربية.
على صعيد آخر فإن الزيارة تأتي على وقع جولة جديدة من المفاوضات بين واشنطن وطهران في عُمان بشأن البرنامج النووي الإيراني، ومن المرجّح في هذا العنوان أن تحاول دول الخليج فرض حضورها على طاولة المفاوضات لأنها باختصار طرف رئيسي جغرافيًا وسياسيًا ولا يمكن استبعادها عن المشهد، فالولايات المتحدة تناقش مصالحها بشكل عام حيث تركز على فرض تخفيض عمليات تخصيب اليورانيوم على طهران مقابل تخفيف العقوبات، في المقابل تُصر طهران على حقها في التخصيب. ما يهم الخليج هو كبح جماح البرنامج النووي الإيراني وعدم السماح لطهران بإعادة استرجاع طموحاتها في المنطقة كنتيجة لرفع العقوبات عنها من قبل واشنطن. وقد احتجت السعودية في 2015 على عدم دعوتها لتكون طرفًا في المفاوضات الأولى آنذاك.
الخليج العربي لاعب أساسي في المنطقة، وترامب قادم لإعادة تثبيت النفوذ الأمريكي بعد أن تخلخل بسبب تقلبات السياسة الأمريكية الخارجية، خصوصًا بعد إدراكه أن دول الخليج تملك القدرة على تنويع خياراتها السياسية وقد فعلت ذلك بعدما رأت بأم عينها انخفاض الائتمانية الدبلوماسية الأمريكية.
من المتوقع أيضًا أن يبحث ترامب مع زعماء دول الخليج إمكانية لعب دور أكبر في الوساطة بين روسيا وأوكرانيا، مستفيدًا من العلاقات الجيدة التي تتمتع بها دول الخليج مع طرفي الصراع. يأتي ذلك في إطار جهود ترامب لإيجاد حلول دبلوماسية للنزاع سعيًا منه لتقليل الفجوة بين وعوده وأفعاله، فهذه الفجوة أضعفته أمام نتنياهو واليمين المتطرف الموجود داخل إدارته.
نتائج هذه الزيارة قد تعزز تماسك الموقف العربي اتجاه قضية فلسطين، لأن ما سيكسبه الخليج من مساحة سياسية إضافية سينعكس مباشرة على بقية الدول العربية المعنية بشكل مباشر في إنهاء الغطرسة الإسرائيلية في فلسطين.