من التعليم إلى التشغيل: كيف يدعم الذكاء الاصطناعي سوق العمل الأردني؟

نبض البلد -

حسام الحوراني

في كل صباح، يستيقظ آلاف الشباب الأردنيين تحملهم أحلامهم العالية، وتشهد عليهم سنوات كفاحهم في مقاعد الدراسة، عازمين على تحويل شهاداتهم إلى أدوات تغيير لا مجرد أوراق مؤطرة. صحيح أن البطالة تشكّل تحديًا ، وأن الفجوة بين التعليم وسوق العمل لا تزال قائمة، لكن في قلب كل أزمة تولد فرصة، وفي كل تحدٍّ يكمن احتمال نهوض جديد.
اليوم، ومع صعود الذكاء الاصطناعي، لم يعد الواقع كما كان. فقد تحوّل الذكاء الاصطناعي من كونه أداة تكنولوجية متقدمة إلى أمل حقيقي يُعيد تشكيل المشهدين الاقتصادي والتعليمي معًا. إنه يُمكّن الشباب من اكتشاف مسارات جديدة، ووظائف غير تقليدية، وفرص ريادة لا ترتبط بالموقع ولا بالواسطة، بل بالمهارة والجرأة والطموح. بهذا الجيل، وبهذه الأدوات، يصبح المستقبل مشروعًا قابلاً للتحقيق، لا حلمًا مؤجَّلًا.
ليس الذكاء الاصطناعي رفاهية فكرية أو ترفًا أكاديميًا، بل هو الأداة التي غيّرت وجه العمل في العالم، والتي يمكن – إن أحسنا استخدامها – أن تعيد تشكيل منظومة التعليم وتفتح آفاقًا جديدة للتشغيل في الأردن. فاليوم، لم يعد الاقتصاد يقوم فقط على الموارد الطبيعية أو الصادرات، بل على العقول والبيانات والخوارزميات. الذكاء الاصطناعي هو النفط الجديد… والعقول هي آبارنا.
فما الذي نحتاجه؟ نحتاج أولًا إلى طفرة في التعليم. لا يمكن أن نتحدث عن تشغيل ذكي دون تعليم ذكي. يجب أن تتوقف جامعاتنا وكلياتنا عن تخريج أعداد ضخمة من الشباب في تخصصات لا تطلبها السوق، والتركيز بدلاً من ذلك على المهارات الرقمية، التفكير التحليلي، والقدرة على التعامل مع أدوات الذكاء الاصطناعي. لماذا لا يصبح "الذكاء الاصطناعي التطبيقي"، "تحليل البيانات"، أو "هندسة الأوامر" موادًا إجبارية في جميع التخصصات؟ لماذا لا يتم تحويل المساقات الجامعية إلى مشاريع حقيقية تحاكي مشكلات السوق؟ لماذا لا تُمنح الطالب فرصة التدريب العملي مبكرًا على أدوات مثل ChatGPT، أو أدوات الترجمة الآلية، أو النمذجة الصناعية، أو تحليل الصور الطبية؟
وثانيًا، نحتاج إلى إعادة هيكلة شاملة لسوق العمل، بحيث يتحول من سوق يطارد الشهادات إلى سوق يحتضن المهارات. الذكاء الاصطناعي يمكن أن يساعدنا في تشخيص احتياجات السوق بدقة، في تحليل البيانات الوطنية حول الوظائف، في تصميم برامج تدريبية شخصية تلائم كل فرد بحسب قدراته واتجاهاته. كما يمكن للذكاء الاصطناعي أن يُعيد إحياء الصناعات المحلية عبر التشغيل الذكي، من خلال الأتمتة والتحليل التنبؤي وتحسين الإنتاج.
تخيلوا مثلًا منصة وطنية مدعومة بالذكاء الاصطناعي تقرأ السيرة الذاتية لأي شاب أردني، وتُحلل مهاراته، وتوصي بتدريبات فورية لتحسين فرص توظيفه، وتربطه مباشرة بالشركات التي تبحث عن مهارات مشابهة. تخيلوا مراكز تشغيل ذكية في المحافظات تستخدم الذكاء الاصطناعي لرصد فرص العمل المحلية وتقديم دعم لحظي للشباب الباحث عن وظيفة. تخيلوا لو أن برامج الخدمة المدنية تُدار بشكل رقمي ذكي، فتقل الواسطة، وتُفتح الأبواب لمن يستحق فعلاً، وليس لمن يعرف من!
بل أكثر من ذلك، يمكن للذكاء الاصطناعي أن يكون حاضنًا لريادة الأعمال، في مجتمع شاب كالذي نعيشه. الشباب الأردني لا تنقصه العبقرية ولا الطموح، بل تنقصه البوصلة الرقمية التي تقوده في هذا العالم المتغير. ماذا لو وفّرنا أدوات الذكاء الاصطناعي لكل طالب في المدارس الثانوية ليبتكر مشروعه الأول؟ ماذا لو دعّمنا الأفكار الريادية الذكية بتحليل سوق ذكي وتوقعات جدوى مدعومة بالخوارزميات؟ ماذا لو كانت حاضنات الأعمال في المملكة كلها مدعومة بأنظمة ذكاء اصطناعي تتابع تطور المشاريع وتقترح فرص تمويل أو شراكات؟
الأمر ليس خيالًا… بل هو واقع بدأ في دول مثل اميركا والصين وغيرها. دول اختارت أن تستثمر في التقنية لا في التوظيف الحكومي فقط. أن تزرع في العقول لا في الأبنية. واليوم، الفرصة أمام الأردن.
صحيح أن الطريق مليء بالتحديات – من البنية التحتية، إلى تدريب الكوادر، إلى تشريعات البيانات – لكن ما يميز الأردنيين أنهم حين يؤمنون بهدف، يحققونه. وقد آن الأوان أن نؤمن أن الذكاء الاصطناعي ليس عدوًا للوظائف، بل شريكًا في خلق فرص لم تكن لتوجد من دونه.
من التعليم إلى التشغيل، ومن الصف إلى المصنع، ومن الجامعة إلى السوق… الذكاء الاصطناعي يمكن أن يكون الجسر الذي يعبر عليه جيل كامل نحو مستقبل جديد، أكثر عدالة، أكثر ذكاء، وأكثر إنصافًا.
فلنمشِ على هذا الجسر، خطوة بخطوة… ولنجعل من الأردن، وطنًا للفرص الذكية، ولجيل لا ينتظر الوظيفة… بل يصنعها.