نبض البلد - خلدون خالد الشقران
المنتج الأردني يطرق أبواب أوروبا: نمو لافت في الصادرات… لكن العجز ما زال يتسع
في ظل تحولات اقتصادية عالمية متسارعة، يثبت الأردن مجددًا أن قدرته على التكيف والانفتاح ليست شعارًا بل واقعًا ملموسًا، كما تؤكده الأرقام الرسمية. فقد سجلت الصادرات الأردنية إلى دول الاتحاد الأوروبي نموًا بنسبة 14.4% في الثلث الأول من العام 2025، لتبلغ 143 مليون دينار مقارنة بـ125 مليونًا لنفس الفترة من العام السابق
هذا النمو يعكس تحولًا مهمًا في القدرة التنافسية للمنتج الأردني، خاصة في ظل تحديات السوق الأوروبية المعروفة بصرامة اشتراطاتها الفنية والتشريعية. وفقًا لما صرح به عضو مجلس إدارة جمعية الأعمال الأردنية الأوروبية ، فإن تبسيط قواعد المنشأ في الاتفاقيات مع الاتحاد الأوروبي لعب دورًا حاسمًا، إضافة إلى الالتزام المتزايد من قبل الشركات الأردنية بالمعايير الأوروبية، لا سيما في قطاعات مثل الأدوية، الأسمدة، الألبسة والمنتجات الكيماوية.
لكن في خضم هذا الإنجاز، لا بد من الوقوف عند الوجه الآخر من المعادلة. العجز التجاري بين الأردن ودول الاتحاد الأوروبي ما يزال مرتفعًا، بل ويشهد اتساعًا، حيث بلغ 843 مليون دينار في الثلث الأول من العام، مقارنة بـ775 مليونًا للفترة ذاتها من العام الماضي. وهذا يعني أن الواردات الأوروبية، رغم ارتفاع الصادرات، لا تزال تفوقها بأضعاف، إذ بلغت 986 مليون دينار.
المفارقة هنا أن إيطاليا تتصدر المشهد الأوروبي، سواء في استيرادها من الأردن أو في صادراتها إليه. فقد استوردت منتجات أردنية بـ21 مليون دينار، بينما صدرت للمملكة ما قيمته 187 مليونًا أي أن الميزان التجاري مع روما وحدها يعاني من خلل واضح.
الحديث عن فرص واعدة لا يغفل التحديات. فكما أشار عضو مجلس إدارة جمعية الأعمال الأردنية الأوروبية ، فإن كلف الشحن، ومتطلبات الجودة، وضعف المعرفة الفنية لدى بعض الشركات الصغيرة والمتوسطة تشكل عقبات لا يمكن تجاهلها. كما أن القيود الفنية على المنتجات الزراعية والغذائية ضمن اتفاقية الشراكة الأوروبية ما تزال تُقيد إمكانات التوسع في هذا الاتجاه، ما يستدعي مراجعة هذه الاتفاقيات وتحديثها بما يحقق فائدة متبادلة.
أحد أهم المقترحات المطروحة هو إنشاء نظام وطني متكامل لتتبع المنتجات الغذائية والحيوانية، وهو مطلب أوروبي صارم لتمكين هذه المنتجات من دخول الأسواق ذات الاشتراطات المرتفعة مثل الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة. وهذا النظام لا يضمن الشفافية والجودة فحسب، بل يمثل خطوة استراتيجية نحو فتح أسواق تتجاوز 1.1 مليار مستهلك عالمي.
الرهان اليوم يجب أن يكون على القطاعات الخضراء، والتكنولوجيا، والصناعات الإبداعية، وهي المجالات التي تتمتع فيها الأردن بإمكانات كامنة يمكن تحويلها إلى قصص نجاح تصديرية حقيقية، إن تم دعم الابتكار وتحسين بيئة الأعمال، وتوسيع برامج التدريب الفني والتمويلي.
في المحصلة، ما تحقق حتى الآن هو مؤشر واعد، لكنه لا يكفي. فالطموح لا يجب أن يقتصر على رفع الأرقام، بل يجب أن يتوجه نحو تعديل هيكل الميزان التجاري، وتقليص الفجوة بين الواردات والصادرات، عبر استراتيجيات وطنية طويلة المدى. أوروبا فتحت الباب، لكن على الأردن أن يعبره بسياسات أكثر جرأة، واستثمارات أكثر ذكاء، وإرادة لا تساوم على التنافسية