ترامب ونتنياهو: مَن يضغط على مَن؟

نبض البلد -

حاتم النعيمات

من المفترض أن يقوم الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بأولى زياراته الخارجية خلال ولايته الثانية إلى منطقتنا، والتي ستتم على الأغلب في ظل استعداد إسرائيل لتوسيع حربها على غزة بعد مصادقة الحكومة على عملية موسعة تهدف إلى إعادة احتلال القطاع بشكل دائم حسب التصريحات السياسية لأعضاء حكومة نتنياهو وبالنظر إلى التجهيزات والتحشدات العسكرية لجيش الاحتلال. هذه التحركات تناقض وعود ترامب بتحقيق السلام التي قطعها على نفسه بداية فترته الرئاسية الحالية.

كثرة الوعود غير المُنفذة من قبل ترامب (ومن ضمنها وعد إنهاء الحرب في غزة) غيّرت الكثير من الاستجابات للسياسة الأمريكية من قِبل الكثير من الأطراف في المنطقة، فقد هدد ترامب بالجحيم إذا لم يتم تسليم الرهائن ولم يفعل شيئًا (وهذا شيء جيد بالطبع)، وكذلك الأمر وعد بإدخال المساعدات ولم يفعل، وقال إنه لن يتفاوض مع إيران ولكنه يفاوضها الآن، وهدد بمسح جماعة الحوثي ومع ذلم يوقّع معها اتفاقية سلام، والأمثلة تطول.

هناك تباين واضح جدًا بين ما يتحدث به ترامب وما يتم على الأرض، وعلى ما يبدو أن الرجل لا يسيطر على كامل المجريات والقرارات، وهذا التباين أساسه – باعتقادي – أن هناك جسمًا متنفذًا داخل إدارته أصبح يُمسك بزمام الأمور دون إدراك من الرئيس ذاته، وهذا الجسم مكون من مسؤولين ومستشارين وشركات يتبعون جميعهم لليمين الأمريكي المتطرّف الذي يعتَبِر أمن وتفوق إسرائيل أشياءً مقدسة لا يمكن التهاون في أدائها.

من الواضح أن ترامب لم يعد يستطيع فرض أي شيء على إسرائيل، التي أعتقد أنها أطبقت السيطرة على إدارته، والراجح أيضًا حسب تسريبات بأن ترامب أعطى الضوء الأخضر لإسرائيل لتفعل ما تشاء ليحفظ ماء وجهه، وقد ظهر ذلك عندما اقتحمت إسرائيل منطقة عمليات الولايات المتحدة في اليمن بضرب منشأة مدنية كمطار صنعاء في تصرف مناقض إلى حدٍ ما لأسلوب الجيش الأمريكي ورغبته، هذا الإقتحام الإسرائيلي ساهم في ذهاب الولايات المتحدة إلى توقيع اتفاقية سلام مع الحوثيين، وكأن الرسالة مفادها أن على إسرائيل أن تدير ملف اليمن لوحدها لأنها لم تحترم نمطنا في التعامل مع الحوثيين، وما يؤكد ذلك هو أن الحوثيين عادوا واستهدفوا إسرائيل بصاروخ باليستي قالت تل أبيب أنه سقط خارج حدودها.

المتنفذون داخل إدارة ترامب يؤمنون أن القوة وحدها هي القادرة على إجبار حماس على إطلاق سراح نحو 29 أسيرًا لا يزالون محتجزين لديها. وقد أعاد هؤلاء المتنفذون الأمريكان الوزير المتطرف "بن غفير” إلى الحكومة بعد أن استقال منها بموافقة أمريكية قبيل المفاوضات التي سبقت الهدنة الأخيرة. بالمناسبة، فهذا الوزير يُعتبر باروميتر الحرب، لأن وجوده يعني على الأغلب استمرار العدوان على الفلسطينيين سواءً في غزة أو في الضفة الغربية.

ما يحدث لا يمكن فصله عن المعركة الداخلية الأمريكية، حيث إن هناك نقاطًا سجلتها إدارة ترامب على الدولة العميقة الأمريكية في العديد من المجالات، ويبدو أن مكاسب هذه المواجهة أصبحت تُجيَّرُ بسهولة لذلك الجسم اليميني المتنفِّذ الموجود في إدارته. بالتالي، فإن إسرائيل تستفيد أيضًا من إضعاف الدولة الأمريكية العميقة التي كان الديمقراطيون قد شَكلوها منذ عقود.

في نفس السياق فقد نقل موقع "أكسيوس” الأمريكي عن مسؤولين إسرائيليين بأن حكومة نتنياهو ستصعّد باحتلال قطاع غزة بالكامل في حال لم تتم صفقة تبادل شاملة قبل وصول ترامب إلى المنطقة. والتصعيد – حسبما نقله الموقع – سيكون بتدمير ما تبقى من بنية تحتية في غزة، وبتهجير كل من في القطاع إلى ما سمي "منطقة إنسانية”، تمهيدًا لإجبارهم على الخروج من غزة، وربما يكون التهجير عبر البحر مطروحًا.

المنطقة كلها اليوم أمام اعتلال يصيب إدارة أقوى دولة في العالم، والمشكلة أن هناك من لا يريد أن يفهم أن اليمين الأمريكي والإسرائيلي يبحثان عن التهجير أولًا، وعن رفع سطوة إسرائيل في المنطقة ثانيًا. لذلك لا بد من تفعيل منظومة عربية قادرة على أمرين: الأول، وضع مصالح الولايات المتحدة بالجملة على الطاولة والتفاوض عليها، والثاني، ويتمثل في إجبار حماس على تسليم ما لديها من رهائن لإنهاء الذريعة الإسرائيلية ولإعطاء زخم للتيار "المعتدل" داخل الإدارة الأمريكية (وربما للرئيس نفسه ذات يوم) ليتمكن -على أقل تقدير- من الدفع باتجاه إيقاف الكارثة واستعادة مسار السلام.