في ظل تصاعد التوترات الجيوسياسية وتغير السياسات الاقتصادية، من المتوقع أن تشهد الاتفاقيات التجارية الدولية تحولات جوهرية خلال السنوات القادمة. إليك أبرز الاتجاهات التي ستعيد رسم ملامح التجارة العالمية:
1. تفكك النظام التجاري العالمي
تؤدي المنافسة المتزايدة بين القوى الكبرى، لا سيما الولايات المتحدة والصين، إلى تفكك تدريجي للنظام التجاري العالمي القائم على التعددية. وبدلًا من الاتفاقيات الشاملة متعددة الأطراف، نشهد صعود:
• الاتفاقيات الثنائية والإقليمية مثل الشراكة الشاملة والتقدمية عبر المحيط الهادئ (CPTPP) والشراكة الاقتصادية الإقليمية الشاملة (RCEP).
• الانفصال الاستراتيجي في القطاعات الحيوية مثل أشباه الموصلات والمعادن النادرة.
• الصداقة التجارية (Friendshoring) وإعادة توطين سلاسل التوريد (Reshoring) لتقليل الاعتماد على خصوم سياسيين محتملين.
2. تصاعد القومية الاقتصادية
تركز العديد من الحكومات على تعزيز الصناعات الوطنية وتقليل الاعتماد على الأسواق الخارجية، عبر:
• فرض رسوم جمركية جديدة وحواجز غير جمركية.
• سياسات صناعية تعتمد على الدعم المالي والإعفاءات الضريبية.
• فرض قيود على الاستثمارات الأجنبية ورقابة على تصدير التكنولوجيا.
3. صعود التجارة الخضراء
تغيرات المناخ تدفع نحو تضمين المعايير البيئية في التجارة، وهو ما قد يزيد من التوترات بين الشمال والجنوب:
• تطبيق آليات تعديل حدود الكربون مثل آلية الاتحاد الأوروبي (CBAM) قد يُنظر إليها كإجراءات حمائية.
• إدراج شروط بيئية ومعايير عمل صارمة في الاتفاقيات التجارية.
• نشوء نزاعات تجارية حول مفهوم "الحمائية الخضراء”.
4. صراعات التقنية والتجارة الرقمية
أصبحت التكنولوجيا ساحة التنافس الكبرى بين القوى، مما يؤثر بشكل متزايد على شكل الاتفاقيات التجارية:
• فرض قيود على تدفقات البيانات ومتطلبات التخزين المحلي.
• إعادة تشكيل قواعد التجارة المرتبطة بالسلع الرقمية وحقوق الملكية الفكرية.
• تزايد أهمية السيادة الرقمية كعنصر تفاوضي محوري.
5. إصلاح المؤسسات التجارية متعددة الأطراف
تشهد منظمة التجارة العالمية (WTO) تراجعًا في فاعليتها، خاصة في آلية تسوية النزاعات، مما يؤدي إلى:
• ضعف في تنفيذ القواعد التجارية المتفق عليها.
• تحول نحو اتفاقيات مرنة بين تكتلات ذات توجه سياسي موحد.
التأثير العام
المشهد التجاري العالمي يتجه نحو مزيد من التفكك والتسييس. فبدلًا من الاعتماد على الكفاءة الاقتصادية الخالصة، تُصاغ الاتفاقيات التجارية اليوم لخدمة الاعتبارات الجيوسياسية. وستكون النتيجة:
• زيادة التكاليف على الشركات متعددة الجنسيات.
• انخفاض اليقين التجاري.
• نشوء تكتلات تجارية سياسية جديدة بناءً على التحالفات الاستراتيجية.