بين القانون والسياسة: الدولة الأردنية وجماعة الإخوان المسلمين

نبض البلد -

أحمد الضرابعة

أطفأ الأردن نقطة الاتصال التنظيمية التي تبادلت عبرها الميليشيات أفكارها لإدماج الأردن في مشروع "وحدة الساحات" طمعًا بتوظيف قيمته الاستراتيجية في معادلة الردع التي سَعت لتأسيسها بعد 7 أكتوبر 2023، ولكنها فشلت في ذلك، ليس لأنها لم تنجح في تحويل الأردن إلى "ساحة" بما تعنيه الكلمة في قاموس "محور المقاومة"، وإنما لأن هذه الميليشيات ذاتها لم تعمل بوتيرة عسكرية واحدة ولم تلتزم بما هو متفق عليه فيما بينها، وهو ما منح إسرائيل الفرصة لتفكيك الساحات السبع وتوجيه ضربات قاسية لكل منها، ما أدى في النهاية لإعادة صوغ معادلات الأمن والجغرافيا السياسية في الشرق الأوسط.

معروف أن جماعة الإخوان المسلمين في الأردن مرتبطة في تنظيم دولي عابر للحدود الوطنية، وأن مرجعيتها السياسية ليست وطنية، وأن لها سوابق في العمل على تصنيع الأسلحة وممارسة النشاط العسكري على الأراضي الأردنية التي حوسبت عليها في حينها، إلا إنها منذ بدء الحرب على قطاع غزة بدأت وذراعها السياسي، حزب جبهة العمل الإسلامي بتقديم خطاب وسلوك سياسيين يتقاطعان مع توجهات إقليمية معادية للدولة الأردنية التي تجاوزت ذلك تقديرًا لصعوبة الظروف الإقليمية وتداعياتها على المشهد السياسي الأردني. كانت الانتخابات النيابية التي شهد مراقبوها بنزاهتها فاصلًا له ما بعده، حيث انتزع حزب جبهة العمل الإسلامي - الذراع السياسي لجماعة الإخوان المسلمين - 31 مقعدًا نيابيًا في مناخ سياسي نجح باستغلاله، وكان الافتراض أن فوزه التاريخي هذا سيدفعه لعقلنة سلوكه السياسي والانتقال من فوضى الشارع إلى تنظيم المؤسسات والعمل ضمن أطرها الدستورية، ولكنه ارتأى أن حضوره النيابي الواسع سيكون أداة جديدة لخدمة استراتيجية التصعيد التي اعتمدها للتفاعل مع الحرب المستمرة على قطاع غزة بما يخدم أجندة شركاءه ورعاته سياسيًا وتنظيميًا، متجاهلًا حساسية الظروف الإقليمية وخطورة الانزلاق في دوامة الفوضى والقلاقل التي لا تتوقف. وُجهت له العديد من الرسائل للتهدئة والتوقف عن تحميل الدولة الأردنية فاتورة ما يحدث في قطاع غزة والإضرار بصورتها، لكنه توهم أنه في موقع قوة يتيح له تجاهل الحسابات السياسية والأمنية الأردنية، ومع ذلك يتم التعامل معه حتى هذه بروح القانون، فرغم حل جماعة الإخوان المسلمين، ما يزال حزب جبهة العمل الإسلامي وهو ذراعها السياسية قائمًا ويمارس أنشطته بشكل اعتيادي، لأن القضاء هو من سيفصل في مسألة بقاءه أو حلّه، مع أنه اتخذ موقفًا مثيرًا للشكوك والجدل تجاه قضية الخلايا التي كشفت عنها دائرة المخابرات العامة قبل أسبوعين، حيث لم يُصدر بيانًا واضحًا لإدانة المؤامرة، بل حاول ممثلوه تحت قبة البرلمان تبريرها!

لو كان منطق التصيُّد حاضرًا لدى الدولة الأردنية في علاقتها مع جماعة الإخوان المسلمين وذراعها السياسي، لنزعت جذورها من المجتمع الأردني حتى لو لم تتوفر أي مناسبة لفعل ذلك، ولكنها تعمل ضمن إطار مؤسسي تحكمه القوانين، وقبل ذلك القيم التي تؤمن بها.

أخيرًا، كل الذين خاصموا الدولة الأردنية تحدثوا في نهاية أعمارهم أنها كانت أكثر نضجًا منهم، ليس لأنها احتوتهم، بل لأن حساباتها السياسية التي لم تروق لهم كانت هي الأكثر دقة وصوابًا في حينها، كونها تستند إلى رؤية عميقة للحفاظ على استقرار البلاد ومصالحها العليا. أما المتحمّسون، شعوريًا وتنظيميًا، لا أحد يدري إلى متى سيواصلون دفع الفواتير بعملات مزيفة، لم تعد مقبولة في أسواق الدول الوطنية التي تريد الحفاظ على بقائها، لا التهور والانتحار.