نبض البلد - د. أيوب أبودية
أحد الركائز الأساسية لتقدم الأمم وازدهارها عو البحث العلمي، فهو المحرك الرئيسي للابتكار والتطور التكنولوجي والاقتصادي. ومع ذلك، فإن الإنفاق على البحث العلمي في العالم العربي لا يزال متواضعًا مقارنة بالدول المتقدمة، بل إنه أقل بكثير من المتوسط العالمي. وفقًا لتصريح أمين عام اتحاد الجامعات العربية، فإن الإنفاق على البحث العلمي في العالم العربي لا يتجاوز 1% من الناتج المحلي الإجمالي، وهي نسبة ضئيلة جدًا إذا ما قورنت بالدول المتقدمة التي تنفق ما بين 3% إلى 4% من ناتجها المحلي على البحث العلمي. والإنفاق العالمي على البحث العلمي بلغ 2.62 % عام 2021 حسب إحصائيات البنك الدولي.
تشير الإحصاءات إلى أن الدول العربية مجتمعة تنفق أقل من 1% من ناتجها المحلي الإجمالي على البحث العلمي، بينما تنفق دولة مثل الولايات المتحدة الأمريكية3.46 % من ناتجها المحلي على البحث والتطوير. وفنلندا 3%، اسرائيل 5.56 %، جنوب كوريا 5%، بل إن بعض الدول الناشئة مثل الصين أنفقت % 2.43 عام 2021 وقد زادت من إنفاقها على البحث العلمي بشكل ملحوظ في السنوات الأخيرة.
هذا التفاوت الكبير في الإنفاق يعكس الفجوة الهائلة بين العالم العربي والدول المتقدمة في مجال البحث العلمي. فبينما تعتمد الدول المتقدمة على البحث العلمي كأداة لتحقيق النمو الاقتصادي والتنمية المستدامة، لا يزال العالم العربي يعاني من ضعف في البنية التحتية للبحث العلمي، وقلة الموارد المخصصة له، بالإضافة إلى انخفاض عدد الباحثين مقارنة بعدد السكان.
هناك عدة أسباب وراء ضعف الإنفاق على البحث العلمي في العالم العربي، من أبرزها ضعف الاهتمام الحكومي, فلا تزال العديد من الحكومات العربية لا تعطي الأولوية الكافية للبحث العلمي، حيث يتم توجيه الموارد المالية إلى مجالات أخرى تعتبر أكثر إلحاحًا من وجهة نظرها، مثل الأمن والدفاع.
وهناك غياب التخطيط الاستراتيجي، ففي كثير من الأحيان، لا توجد استراتيجيات واضحة وطويلة الأمد لتعزيز البحث العلمي، مما يؤدي إلى تشتت الجهود وعدم تحقيق نتائج ملموسة.
وأيضا ضعف التمويل الخاص، إذ يعتمد البحث العلمي في العالم العربي بشكل كبير على التمويل الحكومي، في حين أن القطاع الخاص لا يلعب دورًا كبيرًا في دعم البحث والتطوير. وهذا يختلف عن الوضع في الدول المتقدمة، حيث يساهم القطاع الخاص بشكل كبير في تمويل الأبحاث لانه قطاع انتاجي بامتياز.
ثم هناك هجرة العقول، حيث يعاني العالم العربي من هجرة الكفاءات العلمية إلى الخارج بسبب نقص الفرص وعدم توفر البيئة المناسبة للبحث العلمي. وهذا يؤدي إلى فقدان الكفاءات التي يمكن أن تسهم في تطوير البحث العلمي محليًا.
ولا مناص من الكشف عن أهمية ربط البحث العلمي بالصناعة، فلا يكفي زيادة الإنفاق على البحث العلمي فقط، بل يجب أن يكون هذا الإنفاق مرتبطًا بشكل وثيق بالصناعة والقطاعات الإنتاجية. فالبحث العلمي الذي لا يترجم إلى تطبيقات عملية وابتكارات تخدم الاقتصاد والمجتمع لا فائدة منه. في الدول المتقدمة، يتم ربط البحث العلمي بالصناعة من خلال إنشاء مراكز بحثية مشتركة بين الجامعات والشركات، مما يضمن أن تكون نتائج الأبحاث قابلة للتطبيق في الواقع العملي.
ففي العالم العربي، لا يزال هناك فجوة كبيرة بين البحث العلمي والصناعة. فمعظم الأبحاث التي تجري في الجامعات ومراكز البحث العربية تبقى حبيسة الأوراق ولا تتحول إلى منتجات أو خدمات تسهم في التنمية الاقتصادية. ولتجاوز هذه المشكلة، يجب تعزيز التعاون بين الجامعات والقطاع الصناعي، وتشجيع الشركات على الاستثمار في البحث والتطوير.
على الرغم من التحديات، هناك بعض التجارب الناجحة في العالم العربي في مجال البحث العلمي.
على سبيل المثال، تعتبر دولة الإمارات العربية المتحدة من الدول الرائدة في المنطقة في مجال البحث العلمي، حيث أنشأت مدينة مصدر كمركز للطاقة المتجددة والابتكار، كما استثمرت في مجال الفضاء من خلال وكالة الإمارات للفضاء. كذلك، تعمل المملكة العربية السعودية على تعزيز البحث العلمي من خلال إنشاء مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية، والتي تهدف إلى دعم الأبحاث في مجالات متعددة مثل الطاقة والمياه والبيئة. وهناك تجربة الأردن الناجحة في الجمعية العلمية الملكية
منذ سبعينيات القرن الماضي، ولكنها تراجعت. فلا شك أن زيادة الإنفاق على البحث العلمي في العالم العربي هو أمر ضروري لتحقيق التنمية المستدامة واللحاق بركب الدول المتقدمة إذا كان ذلك ممكنا. ومع ذلك، فإن زيادة الإنفاق يجب أن تكون مصحوبة بتحسين جودة البحث العلمي وربطه بالصناعة والزراعة و…