دور المرأة بين التمكين السياسي والعوائق المجتمعية

نبض البلد -
زيادة تدريجية بمشاركة المرأة ب السلطة التنفيذية

الأنباط – جاد جادالله

تشير التقارير والإحصائيات الرسمية في الأردن إلى تزايد ملحوظ في مشاركة النساء في القطاعات المهنية والسياسية. وفقًا لتقرير دائرة الإحصاءات العامة لعام 2019، تشكل النساء 27.3% من المهندسين، و20.2% من الأطباء، بينما تبلغ نسبة المعلمات 27.33%. بالنظر إلى التوزيع الديمغرافي للمهن، يتضح أن هناك 158 مهندسًا ومهندسة، و25 طبيبًا وطبيبة، و13 محاميًا ومحامية لكل 10 آلاف نسمة.

تشير إحصائيات نقابة الأطباء الأردنية إلى أن العدد الإجمالي للأطباء في المملكة بلغ 42,364، وذلك بعد خصم عدد الأطباء المتوفين والذي وصل إلى 2,153، أما العدد الحالي للأطباء الممارسين فيصل إلى 27,900، منهم 9,295 طبيبة. كما أن هناك 7,340 طبيبة تمارس المهنة داخل وخارج الأردن. بالنسبة للمهندسين، أفادت البيانات الصادرة عن دائرة الإحصاءات العامة في "كتاب الأردن بالأرقام 2018" أن عدد المهندسين المسجلين بلغ 156,556 مهندسًا، منهم 41,133 مهندسة، أي ما يعادل 26.3%. وبالنسبة للأطباء المسجلين، بلغ العدد 20,381 طبيبًا، بينهم 6,103 طبيبات بنسبة 30%. أما المحامون، فقد بلغ عددهم 12,714 محاميًا، بينهم 3,296 محامية بنسبة 26%.

في السنوات الأخيرة، سعت الحكومة الأردنية إلى تعزيز مشاركة المرأة في المناصب العليا وتقليص الفجوة بين الجنسين في فرص العمل. هذا التوجه ظهر جليًا في حكومة بشر الخصاونة، التي ضمت في تشكيلتها الأولى خمس نساء حملن حقائب وزارية. ومع التعديل الوزاري الجديد، ارتفع عدد النساء في الحكومة إلى سبع وزيرات، ما يعادل 24% من إجمالي عدد الوزراء. هذا التقدم لاقى استحسانًا واسعًا من اللجان النسائية ومنظمات المجتمع المدني، الذين اعتبروا هذه الخطوة دعمًا مهمًا لمشاركة المرأة في صنع القرار وتقليص الفجوة بين الجنسين.

خلال العقود الأخيرة، شهدت الحكومات الأردنية زيادة تدريجية في مشاركة المرأة في السلطة التنفيذية. حكومة عبد الله النسور الأولى، التي تشكلت من 21 وزيرًا جميعهم رجال، كانت تعاني من غياب كامل للنساء. إلا أن التعديل الوزاري في حكومة النسور الثانية ضم 5 نساء من بين 25 وزيرًا. وبعدها، جاءت حكومة هاني الملقي التي ضمت 4 نساء من بين 26 وزيرًا. حكومة عمر الرزاز كانت الأكثر بروزًا في هذا السياق، حيث ضمت 7 حقائب وزارية للنساء في تشكيلتها الأولى، وهو رقم غير مسبوق في تاريخ الحكومات الأردنية.

أما على مستوى الانتخابات البرلمانية لعام 2024، فقد شهدت تقدمًا ملحوظًا في تمثيل النساء، حيث تمكنت 27 امرأة من الوصول إلى مجلس النواب العشرين، وهو ما يقارب ضعف عدد النساء في المجلس السابق لعام 2020. هذا التطور يعكس دعمًا شعبيًا متزايدًا لمشاركة المرأة في الحياة السياسية، حيث جاءت 9 من هؤلاء النساء من الدائرة العامة، و18 من الدوائر المحلية عبر نظام الكوتا النسائية.

مجلس الأعيان الأردني كان السباق في تمثيل النساء في الساحة السياسية، ففي عام 1989، تم تعيين السيدة ليلى شرف كأول امرأة تشغل عضوية المجلس. وفي المجلس الحالي (الثامن والعشرين)، تشكل النساء 10.8% من الأعضاء، بينما كانت النسبة في المجلس السابق 15.4%. هذا يعكس مسارًا تدريجيًا نحو تعزيز دور المرأة في العملية السياسية.

ورغم التقدم الملحوظ، إلا أن المرأة الأردنية لا تزال تواجه تحديات كبيرة. تحدثت النائب السابق ميادة شريم عن التحسن الذي شهده دور المرأة في البرلمان في السنوات الأخيرة، لكنها أكدت أن هناك حاجة لمزيد من الجهود لتفعيل دور المرأة السياسي بشكل أوسع. شريم أشارت إلى ضرورة تعديل بعض القوانين الانتخابية لتوسيع نطاق مشاركة النساء في البرلمان، فضلاً عن أهمية توفير برامج تعليمية وتدريبية لتأهيل النساء لتولي المناصب القيادية.

وأضافت شريم أن المجتمع لا يزال يعاني من صعوبة تقبل المرأة في مراكز صنع القرار الكبرى مثل رئاسة الوزراء. وأشارت إلى أن النساء بحاجة إلى دعم أكبر لتجاوز هذه التحديات والمشاركة بفاعلية في مختلف المجالات.

من جهتها، أكدت الأستاذة إنعام العشا، المديرة التنفيذية لجمعية معهد تضامن النساء الأردني، أن زيادة عدد النساء في مجلس النواب تمثل نقلة نوعية في المشهد السياسي الأردني. لكنها نوهت إلى أن الأداء الفعلي لهؤلاء النساء في مواقعهن القيادية سيكون المحك الأساسي لنجاح هذه التجربة. العشا شددت على أهمية تمثيل النساء من مختلف المناطق، وليس فقط النساء البارزات في المجتمع، ودعت إلى تحسين البيئة التشريعية التي تدعم تمثيل المرأة بشكل عادل.

وفي المجال العسكري، حققت المرأة الأردنية إنجازات هامة. فقد تم تعيين النساء في مختلف الرتب العسكرية، بما في ذلك الجندية، الشرطية، والممرضة العسكرية. وتفخر الأردن بوجود طيارة حربية مقاتلة في سلاح الجو الملكي، ما يعكس التطور الكبير في مشاركة المرأة في هذا القطاع الحيوي.

ورغم التقدم الملحوظ في مشاركة المرأة في مختلف القطاعات، إلا أن بعض الجوانب لا تزال تعرقل تحقيق المساواة الكاملة بين الجنسين. من أبرز هذه التحديات الفروقات الدينية المتعلقة بالميراث، حيث يحصل الرجل على نصيب أكبر مقارنة بالمرأة. ومع ذلك، تستمر المرأة الأردنية في النضال من أجل تعزيز مكانتها وضمان حقوقها.

تظل المرأة الأردنية مثالاً حيًا على التحدي والتفوق في العديد من المجالات، ورغم التحديات المستمرة، فإن الدعم السياسي والمجتمعي المتزايد يمكّن المرأة من المشاركة بفاعلية في بناء مستقبل أفضل للأردن.