"التقدم" لا يلغيه.. مجتعات قروية تحافظ على القديم المتوارث

نبض البلد -
عبابنة: الزي التراثي كان يتميز بنوع من الطبقية


"ابو محمد": الحياة كانت كلها بركة قديما

نشر جهاز العريس على حبال الغسيل ليراه الجيران

المرأة بالعمل كانت ترتدي الثوب بالمقلوب للمحافظة عليه

باص القرية بمواعيد ولا مواصلات بعد السادسة مساء


الأنباط - فرح موسى

كانت الحياة القروية في إربد لا تختلف كثيرًا عن نظيراتها في محافظات المملكة، وكانت حياة المواطن القروي متعبة نوعًا ما، بسبب البعد عن المدينة وعدم توفر وسائل النقل على مدار الساعة كما هي الحال الآن. فالحصول على أي مشتريات يحتاجها المواطن كان يتطلب وقتًا وجهدًا كبيرين، بالإضافة إلى توفر وسيلة نقل.
"الأنباط" التقت مع سيدات من المجتمع الريفي تحدثن عن الحياة القروية، حيث قالت الحاجة أم عدنان: "كنا نزرع ونحصد، ونحلب الأغنام، ونعجن ونخبز، ونذهب إلى البئر لجلب الماء في الصباح الباكر. ولم يكن هناك كهرباء، فقد كنا نسهر على ضوء البنورة أو القناديل أو السراج."

وقال الحاج أبو محمد: "إن الحياة قديمًا كانت كلها بركة. كنا نأكل السمن البلدي، والعسل، واللبن، والجبنة، والزبدة من خض الشكوة. وكنا نتشارك كل العائلة في بيت واحد؛ أنا وإخواني وأولادي وأولاد إخواني، بالإضافة إلى والدي ووالدتي. وكان كل واحد يده بيد أخيه، نسرح بالغنم، ونحرث ونزرع ونحصد."

أما أم سفيان، فقالت إنها كانت تغزل من صوف الأغنام وتصنع البسط، وتجمع السنابل وتصنع من أعوادها صواني وأطباقًا. وذكرت أن رجال القرية كانت سهرتهم عند المختار، وكان أغلب أحاديثهم عن الزراعة والحصاد.

من جهتها، قالت رئيسة جمعية دحنونة الشمال السياحية، عائشة عبابنة، إن الزي الشعبي التراثي يُعتبر جزءًا لا يتجزأ من التراث الأردني، وأوضحت أنها تحتفظ ضمن ممتلكاتها بنحو ستة وستين ثوبًا تراثيًا من مختلف محافظات المملكة، وهذه الأثواب مطرزة إما تطريزًا يدويًا، أو تطريز ماكنة، أو تطريزًا على الطارة. وأضافت: "لدي أيضًا إكسسوارات فضية كانت تتزين بها جداتنا في الماضي."

وأضافت السيدة عائشة عبابنة: "يوجد لدي الطفخة أو الشنبر، والشرش، والشماغ، وكل منطقة تتميز بزي محدد؛ فشمال الأردن له زي، والجنوب الأردني له زي مختلف، وكذلك وسط الأردن له ما يميزه من الأزياء التراثية. ويتميز الزي التراثي الأردني بنوع من الطبقية، حيث يكون ثوب السيدة الأردنية مطرزًا ومصنوعًا من الحرير."

وأشارت إلى أن المرأة كانت وقت العمل في البيت ترتدي الثوب بالمقلوب، وعند الخروج من المنزل ترتديه على الوجه الآخر للمحافظة على نظافته، لأن بعض السيدات لا يمتلكن الكثير من الأثواب، على عكس بعض السيدات اللاتي كن يمتلكن الأثواب الفاخرة المطرزة، التي كانت تتطلب جهدًا كبيرًا وتستغرق وقتًا طويلاً وتكلفتها كانت مرتفعة.

وأضافت العبابنة أن العروس في الماضي كانت لها تقاليد معينة، فقد كان يخرج معها جهازها، وكانت النساء يأتين لرؤية جهاز العروس وما يتم إرساله إلى بيت العريس. أما جهاز العريس، فكان يتم نشره على حبال الغسيل حول البيت، ليكون مرئيًا للأهل والجيران حتى يعرف الجميع ما تم تقديمه للعريس في عرسه.

وأشارت إلى أن الأدوات المنزلية التي كانوا يشترونها، سواء كانت مصنوعة من الفخار أو الألمنيوم أو النحاس، كانت تُعرض في "حوش" البيت. وأضافت: "لا ننسى أن العروس كانت تنقل جهازها وأثاثها في بقج، أو بالقبعة، أو بالمجفية إلى بيت عريسها، ثم تقوم بترتيبه في غرفة من بيت العائلة."

في تلك القرى، كانت المواصلات شبه معدومة، حيث كان باص القرية يتحرك في أوقات محددة، وبعد السادسة مساءً لا توجد حركة نقل متاحة، ومن يتأخر عن هذا الموعد يجد صعوبة في العودة، إلا عبر بعض السيارات. وكان المواطن يحتاج إلى الذهاب صباحًا لجلب الخبز والطحين والمحروقات والمواد التموينية وبعض الحلويات لزوم السهرات.

ومن العادات التي كانت منتشرة في القرى، وربما ما زالت موجودة حتى اليوم، استخدام الشطط والجلة، حيث يقوم الناس بتجفيف روث البقر على السناسل ليصبح بديلاً للحطب، نظرًا لسهولة احتراقه واستمراره لفترة طويلة، مما يوفر دفئًا أكثر في الشتاء. كما كان يستخدم أيضًا للتدفئة والطبخ.

أما أساليب التدبير المنزلي التي كانت تستخدمها الأمهات والجدات قديمًا، فشملت صناعة الصابون من زيت الزيتون وشحوم الحيوانات. كانت المرأة الريفية تغلي الزيت وتضيف له مادة الكربونات (الصودا الكاوية) لتنتج خليط الصابون، أو تقوم بتسخين الشحوم لإذابتها واستخلاص الزيت منها، ثم تضيف الكربونات لإنتاج الصابون المنزلي.

أما عن التدبير في الطعام، فقد كانت السيدات يجمعن سنابل القمح الخضراء، وبعد أن تجف يحرقنها لتنتج الفريكة والسميد. كما كن يجمعن الحبوب من عدس وحمص وحنطة في مكان يُسمى "الكوارة"، وهو عبارة عن خزانة طينية مبنية في الجدار.

وكانت سيدات المجتمع يجففن الثوم والبامية والبندورة (كشك البندورة)، ويرشونها بالملح لتدوم أطول فترة ممكنة، بالإضافة إلى تجفيف منتجات زراعية أخرى للاستخدام في فصل الشتاء. وكان القمح يغلى ويُضاف إليه اللبن لصنع الكشك، أو تُنشر كرات اللبن لتصنع منها الجميد، لأن ذلك الزمن لم يكن يوفر ثلاجات، فكان الاعتماد على الطبيعة لحفظ المواد الغذائية.

اليوم، ومع التطور الهائل الذي واكب المجتمع الأردني، أصبح الاعتماد على الأمور الجاهزة والمتوفرة أمرًا شائعًا. ولكن، كما أشرنا في بداية التقرير، لا تزال بعض المجتمعات القروية تحافظ على الأشياء القديمة المتوارثة، بالرغم من التقدم الحضاري. بمعنى أنه لا غنى عن التطور الحاصل، ولا عن الطبيعة التي تعودنا عليها في المجتمع الأردني.