د. أيوب أبودية

فخري قعوار: رحيل كاتب ومفكر أردني بارز

نبض البلد -
د. أيوب أبودية
يعد ترجل الفارس السياسي والكاتب والقاص الأردني المبدع الأستاذ فخري قعوار خسارة كبيرة للمشهد الأدبي والثقافي في العالم العربي. فقد ترك خلفه إرثاً أدبياً كبيراً، يتوزع بين القصة والرواية وأدب الأطفال والمقالات الصحفية والمواقف السياسية، ما جعله أحد أبرز الأسماء في الأدب الأردني والعربي. فخري قعوار، الذي انطلقت مسيرته الأدبية في الستينيات، استطاع أن يثبت نفسه بسرعة كأحد رواد القصة القصيرة في الأردن، وبعدها توسع في مجالات الأدب والصحافة والسياسة.
قعوار لم يكن مجرد كاتب وأديب، بل كان أيضاً صحفياً وسياسيا نشطاً، كتب في العديد من الصحف مثل "الرأي"، "الدستور"، و"الأخبار". وسرعان ما أصبح اسمه لامعاً في الصحافة الأردنية والعربية. بالإضافة إلى ذلك، كان مفكراً سياسياً ذا مواقف معارضة جريئة، دفع ثمنها من خلال فصله من العمل وتوقفه عن الكتابة لفترة خلال حقبة الأحكام العرفية في الأردن. ورغم هذه التحديات، استمر قعوار في التعبير عن آرائه بقوة. كما نجح في الانتخابات البرلمانية عام 1989، وكان صوتاً بارزاً في الدفاع عن الحريات والحقوق الدستورية والديمقراطية.
مسيرة قعوار الأدبية لم تقتصر على القصة والرواية فقط، بل امتدت إلى أدب الأطفال. فقد ساهم بشكل كبير في تشكيل وعي جيل كامل من القرّاء الناشئين من خلال ترؤسه لمجلة "وسام"، وهي مساهمة ما زلنا نعاني من قلة المشتغلين بها. كان قعوار أيضاً من المؤسسين البارزين لرابطة الكتاب الأردنيين، حيث شغل منصب رئيسها لأربع دورات متتالية بين عامي 1991 و1999. إلى جانب ذلك، تولى منصب الأمين العام لاتحاد الأدباء والكتاب العرب لمدة ست سنوات، مما يعكس تأثيره الكبير على الحراك الثقافي العربي.
أما على صعيد العمل الثقافي والنقابي، فقد كان له دور بارز في تأسيس العديد من الهيئات الثقافية في الأردن والعالم العربي. وكان من أبرز الشخصيات التي ساهمت في تطوير الثقافة والنقاشات الفكرية داخل الأردن وخارجه، مدافعاً عن حقوق الإنسان والديمقراطية والعدالة الاجتماعية.
أما في مجال الأدب الساخر، فقد برع في المزج بين الفكاهة والنقد الاجتماعي بأسلوب ساخر. من أبرز أعماله في هذا المجال: "يوميات فرحان فرح سعيد" (1982) و"مراسيم جنازتي" (1984)، حيث أظهر في تلك الأعمال موهبته في تقديم النقد الاجتماعي بأسلوب فكاهي وساخر ومشوق. وعلى صعيد القصة القصيرة، قدّم مجموعات مثل "لماذا بكت سوزي كثيراً" (1973) و"ممنوع لعب الشطرنج" (1976)، التي تناولت واقع المجتمع الأردني والعربي بطريقة سردية بسيطة، لكن عميقة، تشبه في عمقها ما قدمه نجيب محفوظ في تصوير أحوال الشعب المصري ومعاناته.
كما قدم قعوار في مجال الرواية أعمالاً مميزة مثل "عنبر الطرشان" (1996) و"لا تغرب الشمس" (2008)، حيث ناقش قضايا اجتماعية وسياسية بأسلوب نقدي حاد. لم يكن قعوار مجرد كاتب يروي القصص، بل كان مبدعاً في رسم الواقع الاجتماعي والنفسي للمجتمعات العربية بعمق ونقد ذكي.
في الختام، رحل فخري قعوار بعد معاناة طويلة مع المرض، ليترك وراءه إرثاً ثقافياً وإنسانياً لا يُنسى. كان صوتاً مميزاً في الدفاع عن الحريات وحقوق البسطاء والعدالة الاجتماعية، ومفكراً وطنياً لم يساوم قط على مبادئه. وفاته تمثل لحظة للتأمل في مسيرة كاتب مبدع وإنسان نادر قدم الكثير للمجتمع الأردني والعربي في مجالات الأدب، الصحافة، السياسة، والنضال من أجل الحرية والعدالة والمساواة، وسوف تظل أعماله تذكرنا والأجيال القادمة بإرثه الكبير.