من قلب الشورى يولد القرار العادل

نبض البلد -



ولاء فخري العطابي 

في لحظة عابرة قد تختزن صورة مئات الدروس والعبر، صورة يظهر فيها قائد الوطن وهو يشاور وزير خارجيته ومدير مكتبه، ليست مجرد لقطة بروتوكولية، بل تجسيد حي لمفهوم القيادة الحكيمة التي تقوم على مبدأ الشورى والتشاركية.

القيادة ليست تسلّطًا ولا أوامر تُلقى من فوق، بل هي استماع، وإصغاء، وإيمان بأن الحكمة تتولد من تلاقي العقول وتنوع وجهات النظر، ومن أسمى ما جاء في ديننا الحنيف قوله تعالى: "وشاورهم في الأمر”، مبدأ رباني يؤكد أن الشورى ليست خيارًا تكميليًا، بل ركيزة أساسية في الحكم الرشيد والإدارة الناجحة.

حين يمد القائد يده بالمشاورة، فهو يرسل رسالة ثقة إلى فريقه: أن جهودكم محل تقدير، وأن أفكاركم تصنع القرار، وحين ينحني ليستمع، فإنه يعلي قيمة الإنسان قبل الموقع، والفكرة قبل الكرسي، هنا تكمن قوة القيادة الحقيقية: في أن تكون اليد التي تدعم، والعين التي تؤمن بك، حتى لو لم تملك سوى نية صافية وعمل مخلص.

كم نحتاج في مؤسساتنا ودوائرنا إلى هذه الروح، أن يتعلم أصحاب المناصب أن القيادة لا تعني الأوامر الجافة ولا الكلمة الأخيرة فقط، بل تعني أن تكون سندًا، أن تحمي وتدعم، أن ترفع من حولك لا أن تستنزفهم.

إن أمة تُبنى بالشورى هي أمةٌ تتجذر فيها العدالة، ويترسخ فيها الإيمان بالمسؤولية الجماعية، وكلما ترسخ هذا المبدأ في مؤسساتنا، أصبحنا أقرب إلى بناء وطن يليق بتضحيات أبنائه وطموحاتهم.

هذه الصورة لم تمر عليّ مرور الكرام، بل تركت في داخلي أثرًا عميقًا، لم أرَ مجرد مشهد رسمي أو حديث بروتوكولي، بل رأيت مدرسة في القيادة تختصرها لحظة واحدة، قائد بمرتبة ملك، يقف متواضعًا وهو يستمع ويشاور وزير خارجيته ومدير مكتبه، وكأنه يرسل رسالة بليغة مفادها أن الحكمة لا تُبنى بالصوت الأعلى، بل بالإصغاء الأعمق، وأن القرار لا يُصنع في عزلة بل في دائرة من الثقة والتقدير.

هنا تكمن روعة الصورة: في أنها تلخص قمة الإصغاء وقيمة الشورى معًا، وتثبت أن القيادة الحقيقية ليست استعلاءً ولا أوامرًا تُفرض من فوق، بل هي شراكة حقيقية، واعتراف بأن الأفكار تتكامل لتصنع القرار. إن القائد الذي يمد يده ليشاور، ويعطي أذنه ليصغي، هو ذاته القائد الذي يحمي ويؤمن بك حتى قبل أن تعطيه شيئًا، وهذه هي الرسالة الأجمل: أن القيادة الحقيقية في جوهرها إصغاء، وفي ممارستها شورى، وفي ثمرتها ثقة تبني الإنسان والوطن معًا.