"الملك يتحدث ..... صوت الكرامة والوحدة الوطنية"

نبض البلد -
"الملك يتحدث ..... صوت الكرامة والوحدة الوطنية"

في لحظة تتقاطع فيها الأزمنة وتتداخل فيها الأزمات، اجتمع جلالة الملك عبد الله الثاني بن الحسين بنخبة من الإعلاميين والكتّاب والصحفيين الأردنيين، لا ليلقي خطابًا عابرًا، بل ليضع أمامهم مرآة الدولة ويقول بوضوح: إن الكلمة مسؤولية، وإن الوطن لا يحتمل العبث. لم يكن الحديث مجرد رأي ملكي، بل تأكيد على أن الصوت الصادق إذا خرج من الفم الذي يمثل الوطن، يتحول إلى جبهة داخلية متراصة، لا تخترقها الشائعات، ولا تهزها حملات التشكيك مهما اشتدت.

كان حديث الملك بمثابة خريطة وعي، ليس للإعلام وحده، بل لكل أردني يرى أن ما نعيشه اليوم من تحديات يتطلب الوعي أكثر من الحماس، والانتماء أكثر من الانفعال. حين تحدث عن وحدة الصف، لم يكن يكرر شعارات محفوظة، بل كان يستدعي تاريخًا من المواقف التي لم تكن فيها الوحدة ترفًا ولا زينة كلام، بل شرطًا أساسيًا للبقاء والكرامة والسيادة.

جاء صوته هادئًا لكنه حاسم، فيه رصانة من يعرف حجم ما يُدبَّر لهذه البلاد من ضغوطات ومحاولات اختراق، وفيه دفء من لا يرى في الأردنيين سوى أبناء عليه حمايتهم، لا جماهير عليه ترويضها. ذكرهم أن الخطر لا يأتي فقط من الخارج، بل حين تنفلت الكلمة من حقيقتها، وحين يعلو الانفعال فوق الحكمة، وحين نسمح للفرقة أن تندسّ بيننا بحجة الاختلاف في الرأي.

الملك في حديثه كان وطنيًا حتى النخاع، لم يطلب من الإعلام أن يكون تابعًا، بل شريكًا، ولم يطلب من أحد أن يسكت عن الحق، بل أن يُميّز بين الحرية والفوضى، وبين النقد والانقسام. كانت كلماته تُربّت على كتف الوعي العام، تهمس له أن الأردن لا يملك ترف التشتت، وأن المرحلة لا تسمح برفاهية العبث بوحدة الداخل.

ولأن الأردن كان وسيبقى حاضرًا في الموقف الفلسطيني، فقد ذكّر جلالته بأن دعم غزة لا يُقاس بحجم الشعارات ولا بعدد التصريحات، بل بالفعل الحقيقي على الأرض، وباستمرار الدعم السياسي والإغاثي والإنساني، وبالانحياز العلني للحق دون تردد. كان صادقًا في تعبيره عن ألم ما يجري، لكنه كان أكثر صدقًا حين أكد أن الدولة لا تصرخ، بل تعمل، ولا تتباهى، بل تبادر، وأن كل من يشكك في هذا الموقف إنما يخدم أجندات لا تسعى لنصرة أحد، بل لإضعاف الجميع.

في حديثه مع الإعلاميين، لم يكن الملك يعبّر عن موقف عابر، بل كان يضع فلسفة وطنية جامعة، تقول ببساطة: نحن في الأردن لا نُفرّط بثوابتنا، لا في الداخل ولا في الخارج، لا نرضى بالمهاترات ولا نسمح بالمساس بهويتنا. هذه الأرض لم تُبنَ على المجاملة، بل على التماسك، ولم تبقَ لأننا أقوى، بل لأننا أشدّ تمسكًا بما نؤمن به.

في زمن تُكسر فيه الثوابت وتُشترى المواقف وتُباع المآسي على طاولات السياسة، كان الملك يُذكّر الجميع أن الأردن لا يساوم، ولا يغيّر بوصلته مهما اشتدّت الريح. فالوطن ليس جغرافيا فقط، بل ضمير، والقيادة ليست سلطة، بل أمانة، والصف الوطني ليس لونًا، بل جدارًا يُبنى بكلمة الحق وموقف الشرف وصدق الانتماء.
وهنا اقول
الوطن لا تحميه البنادق وحدها، بل يحميه صدق الكلمة عندما تصدر من قلب مخلص وفكر مستنير
واقول من شعري
إذا ضاعت الكلمة ضاع الأمان
وإن خان حرفٌ تهاوى البنيان
فصوت الملوك إذا قال صدقًا
يكون على الصدق خيرُ الضمان
بقلمي
 ✒️ د. عمّار محمد الرجوب