مَن ينقذ أهل غزة؟

نبض البلد -

حاتم النعيمات

يصارع مليونا فلسطيني في قطاع غزة حالة مركبة من الموت والجوع والعطش والتهجير، ولأن المشهد كارثي والمصاب جلل، دعونا نتحدث بصراحة بعيدًا عن المجاملات؛ فلا أعتقد أن هناك ما هو أخطر من الوضع القائم اليوم على الفلسطيني وعلى غزة والقضية الفلسطينية برمتها.

كتوطئة، علينا الاتفاق أن الاحتلال الإسرائيلي مُختلفٌ عن معظم الاحتلالات تاريخيًا؛ فهو عبارة عن دولة حلّت مكان شعب وليس مجرّد سيطرة عسكرية، لذلك، فمواجهته ليست بسيطة، وتحتاج إلى إستراتيجية مدروسة وطويلة الأمد، خصوصًا أنه احتلال مدعوم من أقوى دولة في العالم، لذلك فالمواجهة المسلحة مع مثل هذا النوع من الاحتلال تمثل جزءًا من عملية مقاومته وليس كلها، ويعتبر البقاء على الأرض والصمود والتماسك من أهم وأقوى أشكال مقاومته لأنه إحلالي عنصري، لذلك من حق كل من يتأثر بالوضع الحالي في فلسطين أن يسأل عن جدوى كل ما حدث.

بناءً على هذه التوطئة، لا أعتقد أن من حق حماس إحتكار فكرة المقاومة لنفسها ولا بحسب وجهة نظرها، بالتالي فهي تملك أيضًا أن تفرض على أركان المشهد الفلسطيني الحرب دون تشاور، ولا يحق بالنتيجة لأتباعها وأبواقها أن يفرضوا على الفضاء العام نظريتها في التحرر وكأنها مقدّس لا يجب نقاشه، ولنتذكر جميعًا أن حماس ساهمت بشكل رئيسي في تخريب أي عمل سلمي منذ أوسلو بعلميات خارجة عن التوافق الفلسطيني، ومن ثم كانت العنصر الرئيسي في الإنقسام الفلسطيني الذي أدى إلى استفراد إسرائيل بالقطاع بهذا الشكل الذي ترونه اليوم.

بعد كل ذلك، أصبح من حق أهل غزة والعالم كله أن يسألون السؤال التالي: ما الذي يتم التفاوض عليه بين حماس وإسرائيل اليوم؟ وأقصد السؤال هنا عن مستوى الندية التفاوضية بين الطرفين، فلا يمكن أن تنتقل حماس من أهداف مثل تبييض السجون وتحرير فلسطين والقدس إلى التفاوض على إدخال المساعدات ويطلب من الفلسطيني ألا يسأل!!

من يقرأ مجريات المفاوضات بعقل ناقد يفهم أن مصير غزة وسكانها حُسم منذ شهور للأسف، لذلك فالتفاوض اليوم يقتصر على مصير حماس نفسها لا على مصير ملايين الجوعى والمكلومين، ويمكن التماس هذا الاستنتاج من رد فعل الغزيين أنفسهم.

المُذهل أن طول أمد المفاوضات يقدم خدمة العُمر لنتنياهو، ومع ذلك فإن المفاوض الحمساوي لا يدرك ذلك ويستمر بالتعنُّت وكأنه هو الذي يحاصر تل أبيب!. وعندما تعجز حماس عن تسويق موقفها المتصلب، تعود إلى لعبتها القديمة وهي شيطنة مصر والأردن وتحميلهما وزر الكارثة!!

إن هذا الاستهداف المخزي للأردن ومصر لم يعد يلقى آذانًا صاغية، لا عربيًا ولا دوليًا، فالدور الأردني والمصري لطالما شكّلا رمانة الميزان في القضية الفلسطينية، ولو لقي الطرح الأردني والمصري تاريخيًا آذانًا صاغية من قِبل السياسي الفلسطيني لما وصلنا إلى هذا الوضع. لذلك، فإن استدعاء نظرية "الخيانة” كلما ضاقت الخيارات تحوَّل إلى عبث لا فائدة منه.

نتائج الحرب واضحة للأسف، فحماس تطالب اليوم بإدخال المساعدات والبقاء "بأي شكل" في السُّلطة أو تأمين خروج آمن، ونتنياهو يفتح صفحة جديدة من المغازلة لإدارة ترامب، ليعرض غزة كمنطقة استثمار على الرئيس الأمريكي في سياق مواجهة مشروع النقل الصيني المسمى "الحزام والطريق". وقد يكون هذا الطرح مجرد مناورة من نتنياهو كصفقة القرن، لكنه بالتأكيد يعكس رغبة إسرائيلية للبناء على مكاسب الحرب. إذن، كلما طال أمد تصلّب حماس غير المجدي، كلما ازدادت فرص تسويق مثل هذه المشاريع المشبوهة.

المنطق يقول إن إنهاء الاحتلال لا يتم بجولة واحدة، ولا على يد فصيل واحد، ولا عبر قرار منفرد يؤخذ دون مشاورة القوى الوطنية أو تقييم الكلفة على مستوى حياة الناس وقضيتهم. لذلك فإن المطلوب الآن من حماس أن تتنازل عن هذه الجولة، حفاظًا على ما تبقى من القضية وفكرة المقاومة في الذهنية الفلسطينية، وإذا استمر تعنُّت حماس في ظل هذا الوضع فإن ذلك يعني أنها لا تدرك خطورة الوضع أو غير مهتمة بمصير الناس والقضية برمتها، وكلا الاحتمالين كارثة. وقد آن لحماس أن تقرأ المعادلة بعيون المصلحة الفلسطينية، لا بعيون التنظيم المرتبط بدولة إقليمية كإيران.

إن التاريخ لن يرحم أحدًا. لا من قَصف وجوَّع، ولا من تنازل عن مبادئ حقوق الإنسان، ولا من راهن على عدد الشهداء ومستويات الجوع والدمار كأوراق ضغط تفاوضية. لذلك فمن الضروري باعتقادي البسيط أن يقوم الوسيطان المصري والقطري قبل كل شيء بحسم تناقضاتهما البينية في وجهات النظر (التناقضات واضحة الخطاب الإعلاني لكلا الدولتين)، فلا يمكن أن يستمر هذا التناقض بينهما، لأن مهمتهما يجب أن تتجاوز الوساطة إلى الفعل بحيث يتم سحب ملف التفاوض كاملًا من حماس لإنهاء حالة العبث والدمار.