نبض البلد - الإغراق السعري أداة توسع أم ممارسة تجارية غير عادلة؟
يلاحظ المواطن بين الحين والاخر تباينا في اسعار المنتجات المحلية المنتشرة في الاسواق الخارجية، وخصوصا الادوية مما قد يرد للكثير استفسارات عديدة حول ذلك التباين موجهين اصابع الاتهام الى ادارة الشركات المحلية عن ذلك الفارق الكبير بين اسعار البيع المحلية والخارجية. وتتضح الصورة من خلال إطار المنافسة الدولية، الذي تلجأ اليه بعض الشركات المحلية إلى تصدير منتجاتها إلى الأسواق الخارجية بأسعار تقل عن الأسعار الحقيقية أو عن أسعار بيعها داخل الدولة. مما يعرف بالإغراق السعري الخارجي، وهي ظاهرة مثيرة للجدل بين من يراها وسيلة مشروعة لاكتساب حصة سوقية خارجية، ومن يعتبرها تهديدًا للصناعات في الدول المستوردة تستوجب الرد بحزم.
واقتصاديا يمكن تعريف الإغراق السعري الخارجي بانه تصدير منتجات محلية إلى أسواق خارجية بأسعار منخفضة، غالبًا أقل من سعر البيع المحلي أو أقل من تكلفة الإنتاج. وغالبًا ما يتم هذا الفعل لكسب حصة في أسواق جديدة، او للتخلص من فائض الإنتاج فقد تنتج الشركات أكثر مما تستطيع السوق المحلية استيعابه، فتقوم ببيع الفائض بأسعار منخفضة خارجيًا، او للضغط على المنافسين في تلك الأسواق وإخراجهم منها، والسبب الاكثر اهمية هو استغلال الدعم الحكومي المحلي المقدم على شكل إعفاءات ضريبية أو دعم مدخلات الإنتاج الذي يقلل من تكلفة الإنتاج ويجعل التصدير بأقل من التكلفة مجديًا. كذلك التوسع الاستراتيجي من خلال دخول أسواق جديدة بهدف السيطرة على الحصة السوقية على المدى الطويل، كما يعزى السبب الى ضعف الرقابة الدولية ففي بعض الحالات، تستغل الشركات غياب قوانين مكافحة الإغراق الصارمة في بعض الدول.
تواجه البلدان المستوردة لتلك السلع تبعات كبيرة جراء انتشار ممارسات الاغراق السعري من خلال تضرر الصناعات المحلية نتيجة المنافسة غير العادلة من المنتجات الرخيصة، وإغلاق المصانع وفقدان الوظائف بسبب عدم قدرة الشركات المحلية على مجاراة الأسعار المنخفضة، اضافة الى ظهور حالة احتكار لاحقة، حيث قد تخرج الشركات المحلية من السوق، لتقوم الشركات المُغرِقة برفع الأسعار لاحقًا، لذلك تقوم الدول عادة باجراءات مختلفة لمواجهة ممارسات الاغراق السعري كفتح تحقيقات إغراق رسمية وفق اتفاقية مكافحة الإغراق الصادرة عن منظمة التجارة العالمية، او من خلال فرض رسوم مكافحة الإغراق على المنتجات الواردة بأسعار مغرقة، اما بعض الدول تتجه نحو شكاوى الصناعة المحلية تشجع الحكومات شركاتها الوطنية على تقديم شكاوى رسمية إذا ثبت الضرر، كما تقوم تلجأ بعض الدول الى ابرام الاتفاقات الثنائية من خلال مفاوضات مباشرة مع المصدرين لتعديل الأسعار أو الحد من الكميات المصدّرة.
اما عن موقف منظمة التجارة العالمية فانها تسمح باتخاذ إجراءات ضد الإغراق، ولكن بشرط أن يُثبت وجود الإغراق من خلال مقارنة الأسعار او ان أن يُثبت وجود ضرر فعلي للصناعة المحلية بسبب هذا الإغراق. اي ان المنظمة لا تعتبر الإغراق غير قانونيا بحد ذاته، إلا إذا ثبت الضرر.
وعند العودة للتاريخ الاقتصادي نجد ان أمريكا قد فرضت عدة مرات رسوم مكافحة إغراق على منتجات صينية تم تصديرها بأسعار أقل من تكلفة الإنتاج، كذلك موقف الاتحاد الأوروبي والمنتجات الزراعي حين قامت أوروبا بفرض رسوم على صادرات زراعية من دول نامية رأت أنها تُباع بأسعار غير عادلة، كذلك الهند وصناعة الكيماويات عندما اتخذت الهند إجراءات ضد شركات أجنبية كانت تصدر كيماويات بأسعار مغرقة تضر بالصناعة المحلية.
على الرغم مما سبق يعد الإغراق السعري الخارجي استراتيجية ناجحة على المدى القصير في فتح الأسواق، لكنه يُضعف صورة الشركة والدولة المصدرة أمام الشركاء التجاريين.، كما يعرضها لإجراءات قانونية دولية الامر الذي يخلق توتراً تجارياً قد يؤدي إلى حرب تجارية. كما يُنظر إليه كأداة توسع اقتصادي وتنافسية، إلا أنه يحمل في طياته مخاطر سياسية وتجارية، ويثير التساؤلات حول أخلاقيات التجارة العادلة. على الشركات والدول أن توازن بين مصالحها التوسعية والتزاماتها تجاه قواعد التجارة الدولية، لضمان استدامة علاقاتها الاقتصادية ومكانتها العالمية.
سيف نواف ابو رياش- باحث اقتصادي