د.. شنكول تكتب : "حين يُصبح الخبز أمنية"

نبض البلد -
د. شنكول تكتب : "حين يُصبح الخبز أمنية"
في غزة، لم يعد الجوع عابرًا. لم يعد مجرّد عرض من أعراض الحصار، بل تحوّل إلى سلاح.
سلاحٌ لا يُرى، لكنه ينهش من الداخل، ببطء، وبتعمّد.
هناك، لا يدور الحديث عن نقص مؤقّت في المواد الغذائية، بل عن اختفاء شبه تام.
الأسواق فارغة، الأرض محروقة، والممرات مغلقة. لا شيء يُزرع، لا شيء يُصدَّر، لا شيء يُسمَح له بالعبور.
كأن يدًا خفية تمسك بالمشهد كله وتضغطه حتى يتوقف عن التنفس… وعن الأكل.
الجوع هناك ليس مجازًا، بل واقع يومي.
تتحوّل الوجبة إلى حدث استثنائي.
وتتحوّل فكرة "شو حناكل اليوم؟" إلى سؤال بلا إجابة، أو إلى ترف لم يعد يجرؤ أحد على التفكير فيه.
من كان يبحث عن طعام صار يبحث الآن عن فتات.
من كان يملك القليل، أصبح بلا شيء.
الكرامة تؤكل ببطء، لكنها لا تستسلم بسهولة.
العالم يرى ويسمع ويعرف، لكنه لا يتحرّك.
يتعامل مع هذا الجوع وكأنه قدر، أو تفصيل صغير في حرب طويلة.
لكن الحقيقة أن ما يجري ليس نتيجة جانبية
والتجويع ليس عارضًا، بل قرار.
هناك شعب يُدفَع للجوع عمدًا.
يُحرَم من حقّه في الحياة، في الغذاء، في البقاء.
ومع كل هذا، ما زال صوت غزة حيًّا.
يئنّ، نعم، لكنه لم يخفت.
يجوع، لكنه لم ينكسر.
التجويع لا يحتاج إلى صور صادمة ليثبت نفسه.
يكفي أن نتخيّل حياة بلا خبز، بلا ماء، بلا نور… وأن نعرف أن هناك من يعيش هذا الخيال يوميًا.
بقلم د. شنكول قادر
رئيسة جمعية الاخاء الاردنية العراقية