مراكز الطعام أم مراكز الاقتراع، أيهما أولى؟

نبض البلد -
مراكز الطعام أم مراكز الاقتراع، أيهما أولى؟ 

لم تتوقف الدعوات الفلسطينية بشأن إعادة بناء أو اصلاح أو تطوير المنظمة وعدالة تمثيلها للشعب الفلسطيني وصدقية تبنيها لطموحاته وأسلوب قيادتها وإدارتها منذ خمسة وأربعون عاما حسب ما توثقه المحاضر الرسمية لمخرجات دورات المجلس الوطني والتي تعود للعام 1980 على الأقل. أيضا، لم يتوقف التجاهل المستمر (والمزمن) لهذه الدعوات منذ عقود أياً كان مصدرها. 

بالأمس القريب، فاجئ أبو مازن الشعب الفلسطيني بمرسوم يدعو لإجراء انتخابات المجلس الوطني في وضع يمر به الشعب الفلسطيني لا سابق له منذ نكبة 1948، وفي قرار لم يُتخذ ولم يُطبق ولا مرة واحدة منذ تأسيس منظمة التحرير. اختار "أبو مازن" اصدار هذا المرسوم في وضع الإبادة الجماعية المستمرة وقتل الناس اليومي، والتجويع والتعطيش والإذلال، وتدمير غزة عن بكرة أبيها، وإزالة المخيمات في الضفة من خارطة الوجود، وهدم المنازل على امتداد الضفة والقدس، وتوسع الاعتقالات والاغتيالات بالجملة. 

في هذه الأوضاع، هل يُعقل أن الشعب الآن يحتاج للانتخابات؟ أم يحتاج لكسر حصار غزة وادخال رغيف خبز وشربة ماء؟ هل يُعقل أن شعبنا سيتوجه إلى مراكز الاقتراع عوضا عن مراكز توزيع الطعام اكراما لصاحب المرسوم؟ هل سيلتف شعبنا على ألف حاجز في الضفة ليصل إلى مراكز الاقتراع ويصوت لأحد أياً كان؟ تحت القصف وفي ظل الحرب، هل رأيتم انتخابات في كييف أو الخرطوم؟ 

الأسوأ من ذلك كله، والأخطر، هل يُعقل أن يُصدر أبو مازن مرسوما يمنح أنصاره ومريديه - فقط - حق المشاركة في الانتخابات؟ بمعنى إن كنت مؤيدا لسياسة وبرنامج أبو مازن الذي فرضه على المنظمة وألزمها به، فلك حرية المشاركة والاختيار بين أمرين أحلاهما مر؟ هل يُعقل صدور مثل هذا المرسوم الذي "يمسخ" ويُصادر كل فكرة وحق أصيل لشعبنا في فرض ارادته وبرنامجه واختيار من يمثله، في أسلوب ربما يخجل منه فرعون وهامان وجنودهما؟  

إن كان لابد من موت، سنموت سعيا لإطعام أطفالنا، وحماية منازلنا وأراضينا وأشجارنا، ولن نموت من أجل وضع بطاقة اقتراع في صناديق "المسبحين" و"المسحجين". 

يقينا، لن تُجرى أية انتخابات للمجلس الوطني، وهذا اليقين هو ما يُلزِمُنا أن نتساءل عما إذا ما كانت هذه الدعوى هي مجرد استغلال لانشغال الناس بهمومها، وأن نتساءل عن مدى خضوعها للضغوطات والإملاءات الخارجية، وأن نتساءل عما إذا كانت الدعوى مجرد تهيئة وتمهيدا للمرسوم القادم الذي سيعلن أنه "نظرا لتعذر اجراء الانتخابات بسبب الظروف في الداخل"، و"حساسية الأوضاع في الخارج"، سيتم اللجوء إلى أسلوب "التعيين" مغلفا بعبارات "التوافق"، بين "المسبحين" و "المسحجين". 

هل نحن ضد الانتخابات؟ كلا، لكننا مع كسر الحصار وإدخال رغيف الخبز وشربة الماء لشعبنا في غزة العزة أولا، ومع إيواء المشردين من مخيمات الضفة المدمرة أولا، ومع سد حاجة الناس الذين انقطعت مصادر رزقهم في الضفة أولا، ومع صرف رواتب الموظفين أولا، ومع وقف القمع الفلسطيني للفلسطينيين أولا، ومع الافراج عن المناضلين وسجناء الرأي من مسلخ أريحا وغيره أولا. 
أطعمهم يا أبو مازن وسد رمقهم أولا، آمنهم من الخوف يا أبو مازن أولا. 

إن تم ذلك، سنذهب للانتخابات ولنرى إن تمكن أيا من "المسبحين" و"المسحجين" الذين يُنوَى تعيينهم من الفوز في انتخابات بلدية صغيرة أو حتى نادي صغير.

وائل ملالحه