نبض البلد -
في كل مرة يعود فيها الحديث عن التجارة الإقليمية والبنية التحتية للنقل، تطفو إلى السطح مقارنة غير مباشرة بين ميناء العقبة الأردني وميناء البصرة العراقي. هذا ليس صراع موانئ كما قد يتخيله البعض بل هو انعكاس لواقع متغير في الإقليم حيث لم تعد الجغرافيا وحدها تكفي لفرض النفوذ ولا يمكن للتاريخ أن يكون الضامن الوحيد لمستقبل الشراكات.
العقبة التي تتكئ على البحر الأحمر ظلت لسنوات تمثل نافذة العراق البديلة في زمن الحصار والحروب فكانت بمثابة الرئة التي تنفّس عبرها العراقيون جزءاً من حاجاتهم اللوجستية والبشرية واليوم تعود العقبة لتطرح نفسها بوابة ليس فقط للسلع بل للمشاريع المشتركة وربما للأمل في سوق إقليمي متكامل.
على الجانب الآخر تسعى البصرة إلى استعادة دورها التاريخي كميناء محوري للخليج والمنطقة وتحاول الخروج من ظل الفوضى السياسية والإدارية عبر طموحات متصاعدة مثل مشروع الفاو الكبير وهو مشروع لا يمكن تجاهله في معادلة التنافس اللوجستي القادم.
لكن السؤال الأهم ليس من سيسبق الآخر بل هل يمكن أن يتكامل المشروعان بدل أن يتنافسا وهل من الممكن أن تكتب خارطة جديدة تربط بين البصرة والعقبة بممر بري ذكي وآمن ومستدام فتكون النتيجة شراكة تخدم لا دولتين فقط بل الإقليم كله في لحظة تاريخية يبحث فيها الجميع عن استقرار اقتصادي يسبق الاستقطاب السياسي
التحدي لا يكمن فقط في التنفيذ بل في الإرادة السياسية والرؤية طويلة الأمد فالتكامل لا يولد من التصريحات بل من الاستثمار في الثقة ومن القدرة على تحويل الجغرافيا من ساحة تنافس إلى منصة تعاون
في زمن الموانئ الذكية والممرات الجديدة والتكتلات الاقتصادية الكبرى فإن المنطقة لا تحتمل مزيداً من الحسابات الضيقة وإذا أرادت بغداد أن تستعيد بوصلتها الإقليمية وإذا أرادت عمّان أن تحافظ على مكانتها كممر موثوق فإن العقبة والبصرة ليستا خصمين بل احتمالان متوازيان لتجسيد فكرة قديمة ببنية حديثة عنوانها المشترك: ربط المصير بالمصير
بقلم دكتورة شنكول قادر
رئيسة جمعية الإخاء الأردنية العراقية