"زواج التجارة": تنازع القوانين بين الأردن والخليج يُسهل خطف الأطفال ويزيد تشتت ومعاناة الأسر عابرة الحدود

نبض البلد -
"زواج التجارة": تنازع القوانين بين الأردن والخليج يُسهل خطف الأطفال ويزيد تشتت ومعاناة الأسر عابرة الحدود

د. دانا خليل الشلول
"في خضمّ تعقيدات الحياة المعاصرة، تبقى مؤسسة الزواج ركيزة أساسية في بناء المجتمعات واستقرارها، فهي تُعدّ رباطًا مقدسًا يجمع بين شخصين على أسس من المودة والرحمة والاحترام المتبادل. ومع ذلك، قد تأخذ مسارات الحياة الزوجية أبعادًا غير متوقعة، لتتحول من مصدر للسعادة والطمأنينة إلى ساحةٍ للتحديات والصراعات، تكشف عن جوانب إنسانية وقانونية تستدعي التفكير والتدقيق. إنَّ هذه الصراعات بآثارها المتشعبة، غالبًا ما تلقي بظلالها القاسية على الأطفال، فتشتت كيانهم وتفرض عليهم تبعات لا يستطيعون تحملّها، مما يثير تساؤلاتٍ عميقة حول طبيعة العلاقات الإنسانية، والتوقعات المجتمعيّة، وكفاءة الأنظمة القانونية في حماية حقوق الأفراد وتحقيق العدالة وضمان مستقبل آمن للجيل القادم.
"وهنا بدأ خالد يروي قصته "كنت أعمل في إحدى الدول الخليجية -التي فضّل عدم ذكر اسمها نظراً لظروف عمله-، لأّمضي في حياتي كأيِّ شابٍ يسعى للزواج والاستقرار، ولم أتخيل أنَّ هذا الحلم سيتحوّل إلى كابوسٍ ممتدٍّ من الاستنزاف الماديّ والمعنويّ، حيث بدأت بجمع تكاليف الزواج الباهظة، ومضيتُ عمري بالادخار والشقاء المضني لأصل لهذا اليوم، لأبحث عن فتاة ويحصل القبول بيننا، ونتفق مع أهلها على المهر وموعد عقد القران، ليقوموا بتغيير الموعد وطلب تأجيله لقبل الزفاف بيومٍ واحد، فباشرنا بإتمام إجراءات التحضير للزفاف، لتبدأ الكثير مؤشّرات اختياري الخاطئ التي تغاضيت عنها، حيث قال والد الزوجة أمام القاضي: "اتفقنا على مؤخرٍ 7 آلاف!" فكان هذا أكبر مؤشرٍ على وجود "لعبةٍ" وعلى أنهم أناسٌ ماديون لأنَّ اتفاقنا كان 5 آلاف، لكن والدي تحت ضغط الوضع، وافق وقال: "الصالة محجوزة ، وبلغنا المدعويين ودفعنا كامل التكاليف"، وهكذا، تم الزواج الذي أسمّيه بـ "زواج التجارة".
وتابع خالد "بعد عامٍ ونصفٍ من زواجنا، وبعد إنجاب طفلنا الذي كان يبلغ من العمر (4) أشهرٍ فقط، بدأ والد زوجتي بافتعال المشاكل، وكأنه كان ينتظر اللحظة المناسبة للحصول على ما يريد. في تلك الفترة، أدركتُ أن الزوجة ووالدها كانا قد درسا قوانين الطلاق في الدولة الخليجية "عن ظهر غيبٍ"، وكأنهما كانا يجهزان لخطةٍ ما، لتتطوّر المشاكل خلال إجازتنا السنوية في الأردن؛ فقد أساء لي والد زوجتي وشتمني، وما أدهشني، هو أن زوجتي وقفت مباشرةً مع والدها ضدي، وفي نفس الليلة، ذهبت زوجتي وتقدمت بشكوى في المركز الأمني، مدّعيّةً بأنني ضربتُها وسرقتُ ذهبها، كما تقدمت بشكوى ضد أهلي، وفي اليوم التالي مباشرةً، رفعت عليّ قضية نفقةٍ، لأقوم أنا أيضاً برفع قضيّة شقاق ونزاع وغادرت الأردن وكان هذا في عام (2023)، لتلحق بي هي ووالدها لبلد عملي في الخليج بعد أقل من شهر ورفعوا قضايا جديدةٍ هناك وطالبوا بنفقة أخرى غير النفقة التي ألتزم بها في الأردن، وكانت الصدمة بأن تصدر المحكمة الخليجيّة حكمًا مستعجلًا خلال ثلاثة أيامٍ فقط، بدفع مبلغ (700) دينارٍ أردنيٍّ شهريًا نفقةً لها وللطفل. 
وأكمل خالد "وهنا استمريّت بالحرب التي وضعوني فيها على جميع الجبهات، فرغم صدور حكم الطلاق المبدأي لقضيّة الطلاق في عام (2024)، وبعد معاناةٍ طويلةٍ من الأكاذيب المعتادة التي يقدمها المحامون للزوجات -مثل ادعاء أنني لم أعطِ المهر أو أنني سرقتُ ذهبها- بهدف المماطلة في إصدار قرار الطلاق، واستمرار الزوجة في الحصول على النفقات قامت زوجتي بتقديم استئنافٍ على الطلاق، ما أبقى القضية في محكمة الاستئناف لمدة أربعة أشهرٍ أخرى، خلال هذه الفترة، ادّعت الزوجة أنني "مريضٌ ومختلٌّ عقليًا "؛ وكلُّ هذه الاتهامات لم تكن سوى محاولةٍ للإطالة في صدور قرار الطلاق النهائي، لتبقى الزوجة تأخذ نفقةً شهريةً مني، وبعد صدور قرار الاستئناف الذي أيّد الطلاق، قامت الزوجة بالتقدم لمحكمة التمييز، وهذه المرة بالاتهام الصادم: أنني "مرتدٌّ عن الإسلام!" وهذه كلها اتهاماتٌ باطلةٌ بهدف إذلالي وحلبي وإفلاسي، وظلت القضيّة منظورةً في محكمة التمييز منذ أواخر عام 2024 لغاية اليوم، وأعذار تأجيل الجلسات كانت تتراوح بين "انتقالاتٍ وتنقلاتٍ في القضاة وتغيير لجنة القضاة"، وفعليًا، في كل جلسةٍ يحضر فيها المحامون والقضاة يتم تأجيل قضيتي، والسبب هو "المراجعة والتدقيق" إلى يومنا هذا.
وأكمل خالد" ومع هذه الإجراءات القضائية الطويلة، واستمراري بدفع النفقات في الأردن والخليج، قام أخي في الأردن بتقديم إثبات للقاضي بأنني أدفع نفقة في بلدين، فقال له القاضي حرفيًا: "خليه يدفع، مش بدّه يطلق!"، وتستمر المماطلة رغم أنَّ الأدلة على الشقاق وعدم نية الزوجة في استمرار الحياة الزوجية واضحةٌ؛ فقد قامت الزوجة بسجني واتهمتني بالسرقة، وعندما وصلتُ إلى مطار الأردن تم توقيفي واحتجازي، وأنا اليوم، أعاني من عدم قدرتي على العودة إلى بلدي الأردن بسبب المبالغ المترصدة عليّ من نفقاتٍ وغراماتٍ سابقة، كما أنَّ هناك حجزٌ على ممتلكاتي، وغراماتٌ بقيمة 200 ألف دينارٍ أردنيٍّ في الدولة التي أعمل بها بسبب عدم إحضار ابني إليها، فضلاً عن أنني دفعت نفقات للآن مبلغ (32) ألف دينار بين الأردن والخليج، ففي الأردن القانون يمنح الولي حق اختيار بلد إقامة ابنه، لكن زوجتي طالبت بحضانة الطفل وإحضاره إلى الدولة الخليجية، وأنا أخشى من هروبها بالطفل بعد قدومه للخليج رغم أنني قدمت للمحكمة ما يُثبت بأنَّها قد حصلت على حضانة الطفل في الأردن وتنازلت عنها لوالدتها رغم عدم صدور قرار الطلاق، وأتت للبلد التي أعمل فيها لتطالب بحقوقها في النفقة والحضانة دون وجود أي قانون يُنصفني كرجل ويمكنني من حماية طفلي من أن تُخفيه والدته وتسافر به لبلدٍ أجهله، وأنا لا أعرف وجهه منذ أن كان عمره (4) أشهر، فما الذي يضمن لي أن لا أخسر طفلي الوحيد ويتم تحريضه علي خاصةً أنَّه لا يعرفني ولا يذكرني أبداً ومن السهل أن يُصدّق أي كلام سيء عني يُحرّضه ضدي."
وختم خالد قصته " أتمنّى أن تصل رسالتي وندائي لكل مشرّعٍ وصاحب قرارٍ، وكلِّ ضميرٍ حيٍّ قادرٍ على الإصلاح والتغيير في الأردن، بإعادة النظر بالقوانين لتحمي الأسرة من الطلاق والتفكك لا أن تكون بصالح المرأة دون تعمّقٍ في التبعات، ومحاولة عدم تأخير صدور قرارات الطلاق، وإن كانت النيّة في إطالة فترة التقاضي لترك مهلة للإصلاح فمن الممكن الاقتداء بدول أخرى بجعل هذه الفترة دون نفقة لتقليل حالات الطلاق، وعدم إشعار الرجل بأنَّ القانون منحاز ضدّه ويهلكه ويستنزفه معنويًا وماليًا، خاصةً وأنَّ الدول التي اتَّبعت منهج عدم الالتزام بالنفقة ."
وبحسب الخبيرة القانونيّة الأستاذة ساره الشيخ؛ تُعدّ النفقة من الالتزامات الشرعية والقانونية التي تترتب على الزوج اتجاه زوجته حال قيام العلاقة الزوجية بينهما وحتى بعد الطلاق طوال مدة عدتها ويستمد هذا الحق من أحكام الشريعة الإسلامية وتُقرها مختلف التشريعات المدنية في الدول العربية، إلا أنَّ الإشكال يظهر عند استصدار حكمين قضائيين بالنفقة عن ذات العلاقة الزوجية من محكمتين في دولتين مختلفتين، كما هو الحال  في هذه الحالة، حيث عقدت الزوجة قرانها في الأردن ثم انتقلت إلى الخليج (محل إقامة الزوج) فقامت برفع دعوى نفقة أمام المحاكم الشرعية الأردنية وصدر لها حكم، ثم رفعت لاحقاً دعوى نفقة أخرى أمام القضاء الإماراتي وصدر لها حكم ثاني وبدأت باستيفاء النفقة من كلا الطرفين.
وأوضحت الشيخ "من الناحية القانونية، هذه الحالة تُثير إشكالية الازدواج في تنفيذ الحكم القضائي عن ذات الحق وتعد مخالفة لمبدأ (عدم الجمع بين عوضين عن السبب ذاته )، فإنَّ استيفاء الزوجة النفقة من محكمتين مختلفتين عن نفس العلاقة ونفس الفترة الزمنية دون أن تخبر المحكمة الثانية بالحكم الأول يعتبر كسبًا غير مشروع يستوجب الرد خاصة إذا لم تخصم المحكمة الثانية ما سبق لها قبضه من المحكمة الأولى، أما من جهة الاختصاص، فإن قانون أصول المحاكمات الشرعية الأردني يقرّ اختصاص المحاكم الأردنية بالنظر في النزاع الشرعي إذا كان أحد الطرفين أردنيًا أو مقيمًا في المملكة، وذلك وفق المادة ( 3/ب ) منه:
(تختص المحاكم الشرعية بالنظر في الأمور المتعلقة بالأحوال الشخصية للمسلمين متى كان أحد طرفي النزاع يحمل الجنسية الأردنية أو مقيماً في المملكة)، بالمقابل، ينص قانون الأحوال الشخصية للدولة الخليجيّة رقم (28) لسنة (2005) في المادة (63) على أنَّ (النفقة تشمل الغذاء والكسوة والعلاج والمسكن وغير ذلك مما يقضي به الشرع). 
وفي المادة (69)، (تفرض النفقة من تاريخ امتناع الزوج عن الإنفاق مع وجوبها شرعاً وتحكم بها المحكمة من وقت رفع الدعوى)، لكن القانون في لا يجيز كما هو الحال في باقي النظم القانونية استيفاء النفقة عن ذات السبب مرتين خاصة إذا كانت المحكمة قد خُدعت أو لم يتم إعلامها بالحكم السابق وهو ما قد يندرج في بعض الحالات تحت سوء النية في التقاضي، ويشكّل مخالفة قانونية صريحة.
وتابعت الشيخ "وعليه، فإن الوضع القانوني الصحيح يوجب على الزوجة اختيار جهة قضائية واحدة للمطالبة بالنفقة، وأن تُصرّح أمام أي جهة قضائية لاحقة بوجود حكم سابق، تجنبًا لازدواج التنفيذ، وفي حال وقوع ذلك، يحق للزوج رفع دعوى أمام المحكمة المختصة للمطالبة بـ رد ما تم قبضه دون وجه حق أو إلغاء تنفيذ أحد الحكمين، وأوضحت الشيخ أنَّ هذا ينسجم مع القاعدة الفقهية المستقرة: (لا يجوز الجمع بين عوضين عن سبب واحد)، وهذا يصب في مبدأ العدالة ومنع التحايل على القانون لا سيما في قضايا النفقة التي تتعلق بالعدالة الأسرية وكرامة الطرفين.
فيما تُبرز التحديات القانونية والإنسانية الراهنة ضرورة مراجعة تنازع القوانين في العلاقات الأسرية عابرة الحدود، حيث أنَّ غياب التنسيق الفعّال بين الأنظمة القضائية يُفاقم من معاناة الأفراد والأسر، ويُعرّض حقوق الأطفال للخطر، لا سيما فيما يتعلق بالحضانة والنفقات. لذا، من الأهمية بمكان تطوير آليات تعاون قضائي وتشريعات واضحة وموحدة تضمن تحقيق العدالة الأسرية وتحمي المصلحة الفضلى للأطفال، بما يُسهم في بناء بيئة قانونية أكثر استقرارًا وإنصافًا في هذا السياق العالمي المتزايد.