الهلوسة المعرفية في الذكاء الاصطناعي: حين يحيك لك الذكاء الاصطناعي كذبة أنيقة بثقة تامة.

نبض البلد -
د.مؤيد عمر

"توفي الشاعر العربي نزار قباني في باريس عام 1999 بعد أن حصل على جائزة الأوسكار عن مجمل أعماله الشعرية."
جملة مكتوبة بلغة سليمة، تبدو وكأنها مقتطف من سيرة أدبية رسمية، بل قد تُنشر في تقرير أو يُستشهد بها في منشور ثقافي دون أن يساور القارئ شك فيها. لكنها ببساطة خاطئة. نزار قباني توفي عام 1998، ولم يحصل يومًا على جائزة الأوسكار، لأنها ببساطة لا تُمنح للشعراء. هذا النوع من "المعلومات المصقولة" التي تبدو صحيحة لكنها مغلوطة كليًا هو ما يُعرف في عالم الذكاء الاصطناعي بـ الهلوسة المعرفية.

في خضم الاعتماد المتزايد على نماذج الذكاء الاصطناعي في توليد المحتوى، وكتابة الأخبار، وصياغة التقارير، تبرز هذه الظاهرة بوصفها واحدة من أكثر التحديات خطورة في التعامل مع المعرفة الرقمية. فالآلة لا تكذب عن قصد، بل تنتج "كذبة أنيقة" ببساطة لأنها تعتمد على التنبؤ الإحصائي للكلمات وليس على تحقق موضوعي من المعلومات.

الهلوسة المعرفية في هذا السياق ليست خللًا لغويًا أو ضعفًا في الأداء، بل هي نتيجة طبيعية لطريقة عمل نماذج اللغة الاصطناعية، هذه النماذج تُدرّب على كميات هائلة من النصوص، وتتعلم منها كيف تبني جملًا منطقية وسليمة، لكنها لا تفهم المعنى، ولا تدرك الصواب من الخطأ. وبالتالي، قد تولد أداة الذكاء الاصطناعي إجابة مليئة بالتفاصيل، بالأسماء، وبالتواريخ... لكنها ببساطة مختلقة أو غير موجودة في الواقع.

خطورة هذا النوع من "الهلوسة" تكمن في أنه لا يبدو كخطأ. فعندما تُقدَّم المعلومة المغلوطة في قالب متماسك وواضح، فإن المتلقي — خاصة إذا لم يكن مختصًا — قد يتلقاها كحقيقة دون أن يفكر في التحقق منها. وهنا تتحول الأداة المساعدة إلى وسيلة تضليل غير مقصودة، لكنها مؤثرة.

ولأن هذه النماذج تُستخدم اليوم في التعليم، والإعلام، والبحث، وصنع القرار، فإن تجاهل هذه الظاهرة قد يؤدي إلى تراكم معرفي مغلوط، أو نشر معلومات مزيفة، أو حتى اتخاذ قرارات قائمة على أساس وهمي. ولهذا، فإن التعويل الكامل على الذكاء الاصطناعي دون إشراف بشري واعٍ هو مغامرة معرفية لا تُحمد عقباها.

الوعي بخطر الهلوسة المعرفية لا يعني التخلي عن استخدام الذكاء الاصطناعي، بل يعني أن نستخدمه بذكاء. أن نعرف حدوده، وأن نفهم أنه صانع جمل، لا صانع حقائق. وأن مسؤولية التحقق لا تزال في يد الإنسان، لا في قلب الخوارزمية. إنها دعوة للتمسك بالتفكير النقدي في زمن "الإجابات السريعة"، والرجوع إلى المصادر، والشك المنهجي، لأن الحقيقة لا تُقاس بحسن الصياغة... بل بصدق المعلومة.