"من صمت الآثار إلى صدى الزوار: رحاب تفتح ذراعيها للسياحة والتنمية"

نبض البلد -
حين تتحول الأحلام إلى واقعٍ تنموي سياحيٍّ نابض
في عالمٍ اعتدنا فيه أن تبقى الأحلام معلّقة، يأتي من يؤمن أن بالإمكان تحويل الأماني إلى واقع نابض بالحياة، هناك، في قضاء رحاب بمحافظة المفرق، اجتمع الحلم والإرادة تحت مظلة واحدة، تقودها بلدية رحاب الجديدة بالتعاون مع المؤسسات الرسمية والشعبية ومؤسسات المجتمع المدني ذات العلاقة، والأهالي بتنوعهم، ليعيدوا رسم ملامح المنطقة على خارطة السياحة الوطنية، وتسليط الضوء على الإرث الحضاري والثقافي للأردن.
رغم أن ظرفًا طارئًا حال دون مشاركتي الجسدية في استقبال أول وفد سياحي قادم إلى رحاب، إلا أنني تابعت كل تفاصيل الاستعداد منذ أسبوع، واليوم روحي كانت هناك، تتجول مع الزوار بين أزقتها القديمة، تحتضن تاريخها العريق، وتستنشق عبير ماضيها المجيد، فقد بنيت دارتي وجعلت اقامتي بالقرب من هذه المنطقة العزيزة، حبًا وتقديرًا لثرائها الحضاري والثقافي، واحتراماً لذاكرة المكان العتيقة وصفات الانسان الكريمة، وما زلت أرى فيها مروجًا من الفرص التي تنبض بالحياة.
كان يوم السبت شاهدًا على حدث استثنائي، حين انطلقت الرحلة الأولى بالقطار الحجازي من المحطة الرئيسية لمؤسسة الخط الحديدي الحجازي الأردني في عمان الى الزرقاء إلى رحاب، حاملةً على متنها 250 مشاركًا، أتوا بشغفٍ لاكتشاف كنوز هذه المنطقة، وما أن وصلت القافلة إلى المفرق، حتى استُقبل الزوار بحفاوة بالغة، في مشهدٍ اختلطت فيه نغمات الموسيقى الشعبية بعطر الأرض والتراث، حيث قدمت فرق فنية وكشافة ومرشدات رقاد السيدة العذراء – المفرق عروضًا وأهازيج شعبية زادت الأجواء بهجةً وأصالة.
انتقل الضيوف، بكل محبة وود، إلى مدينة رحاب الأثرية، حيث فُتحت أمامهم أبواب القلوب قبل البيوت، هناك، كان استقبال الأهالي دافئًا يعكس معدن الأردنيين الأصيل، وترحيبًا مفعمًا بالمحبة والكرم.
تم نقل الزوار إلى المواقع التراثية المذهلة، ليعيشوا تجربة استثنائية بين الكنائس القديمة المرصعة بالفسيفساء النادرة، والبيوت العتيقة التي استعادت روحها عبر جهود الترميم والدعم المؤسسي، لم تكن زيارة عادية، بل رحلة عبر الزمن، حكت فيها رحاب قصتها لكل من أراد أن يصغي إلى همس التاريخ وصدى الحضارة.
إن الإخلاص والتفاني الذي لمسناه في الاستعدادات والعمل، والأفق الرحب الذي تميزت به القيادة الأهلية التنموية، بقيادة سعادة السيد أكرم حران رئيس بلدية رحاب ومجلسه الكريم، وفريق الموظفين المتحمسين رغم صعوبة الظروف، كان واضحًا وجليًا في كل تفصيلٍ من تفاصيل هذه الرحلة المباركة.
هذه الزيارة التاريخية التي نأمل استمرارها، جاءت كثمرة تعاون بنّاء بين مؤسسة الخط الحديدي الحجازي وبلدية رحاب، والمؤسسات الرسمية والشعبية والأهالي في قضاء رحاب، ليتحول الحلم إلى خطة عملية تهدف لوضع رحاب على مسار السياحة الداخلية، لتكون محطة رئيسية ضمن خط سير القطار الحجازي، فتنهض المنطقة بأكملها بفضل هذا التواصل الحضاري، وتهدف ايضاً لربط المواطنين الأردنيين بتراثهم وتشجيع الحركة السياحية ودفع عجلة النمو الاقتصادي بقضاء رحاب.
وبمتابعة بهاء العطاء، فقد تضمنت الرحلة تنظيم بازار شعبي نابض بالحياة، جمع بين عبق الطعام المحلي، ومهارة الحرفيين الذين عرضوا منتجاتهم بحب وشغف، فكانت فرصة رائعة للزوار لتذوق نكهات المنطقة والتعرف على إبداعات أبنائها وبناتها، مما أسهم في دعم المجتمعات المحلية وتحفيز عجلة التنمية الاقتصادية.
بلدية رحاب الجديدة لم تتوقف عند هذه الخطوة، بل وضعت نصب عينيها هدفًا واضحًا: أن تجعل من قضاء رحاب وجهة سياحية متألقة على مستوى الوطن، لذلك أعلنت البلدية اليوم سعيها الحثيث لتنظيم المزيد من الرحلات الشاملة لجميع مناطق القضاء الممتد على ثلاثين تجمع وبلدة، مؤكدةً أن النجاح لن يكتمل إلا بتكاتف الجميع، ومُبديةً انفتاحها التام لاستقبال أي اقتراح أو فكرة تخدم هذا الهدف النبيل، وهذه سمات المؤسسات الشفافة والحكيمة وقيادتها الرشيدة.
من المهم ان نشير الى ان نجاح هذه الرحلة التاريخية، لم يكن ليتحقق لولا جهود جميع الشركاء الذين أسهموا فيها، من فريق بلدية رحاب والخط الحديدي الحجازي، وجمعية ودّ، وكنيسة الاتحاد الإنجيلية – المفرق، والمؤسسات الحكومية في القضاء، والمؤسسات المجتمعية، إلى أبناء رحاب الأوفياء الذين ضربوا أروع أمثلة المحبة والعطاء، فلكل من دعم وشارك وساهم، نرفع أسمى عبارات الشكر والتقدير.
نؤكد مجددًا أن رحاب ستبقى فاتحة ذراعيها لكل محبٍّ للتاريخ والتراث والتنمية الشاملة لبلدنا، ونحن على أتم الاستعداد للمساهمةً في أي جهد تنموي يسهم في تحسين جودة الحياة في قضاء رحاب وغيرها من بلدات ومناطق بلدنا، والارتقاءً بمستوى المعيشة لأهلها الطيبين الذين يستحقون كل خير.
رحاب اليوم تنبض بالحياة، وتهمس في آذان العابرين: هنا حيث يتحول الحلم إلى حقيقة، بإيمان شعبٍ وعزم قادة مؤثرين.
فارس متروك شديفات
المدير العام لمركز فارس المفرق للتدريب والتنمية والمشاركة المجتمعية