نبض البلد - تُعدّ البطالة من أبرز التحديات الاجتماعية والاقتصادية التي تواجه الأردن، إلا أن ما يجعلها أكثر تعقيدًا هو ارتفاع نسبتها بين خريجي الجامعات، الذين بعد سنوات من التحصيل الأكاديمي والطموحات الكبيرة، يجدون أنفسهم في طابور الانتظار الطويل لوظيفة لا تأتي. تشير الأرقام الرسمية إلى أن نسبة البطالة في الأردن بلغت في بعض الفترات أكثر من 22%، فيما تتجاوز هذه النسبة 50% بين الشباب، وخصوصًا حاملي الشهادات الجامعية، ما يجعل الأمر بمثابة كارثة وطنية تهدد الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي في البلاد.
أسباب تفاقم البطالة بين خريجي الجامعات
من أبرز أسباب هذه الأزمة ضعف مواءمة مخرجات التعليم العالي مع احتياجات سوق العمل، بالإضافة إلى السياسات الاقتصادية المترددة، التي تُنتج بيئة استثمارية طاردة أكثر منها جاذبة. فعلى الرغم من الحديث الرسمي المتكرر عن تحفيز الاستثمار وتسهيل الإجراءات أمام المستثمرين، إلا أن الواقع مختلف؛ إذ يعاني المستثمرون من بيروقراطية حكومية معقدة، وتعقيدات إدارية طويلة، ما يجعل الأردن غير جذاب نسبيًا مقارنة بدول الجوار.
الدولة على الورق... لا على الأرض
تكشف تصريحات المسؤولين والخطط الحكومية عن اهتمام معلن بتحسين بيئة الاستثمار، وتوفير فرص عمل جديدة، إلا أن هذه المبادرات غالبًا ما تبقى حبرًا على ورق. فالمشكلة لا تكمن فقط في غياب الاستثمارات، بل في غياب الإرادة الحقيقية لتطبيق إصلاحات جذرية تُزيل الحواجز البيروقراطية وتُحسّن مناخ الأعمال. كما يغيب التنسيق الفعّال بين القطاعين العام والخاص لخلق برامج توظيف وتدريب تلائم احتياجات سوق العمل الفعلية.
الآثار الاجتماعية الخطيرة
في ظل انسداد الأفق، يجد الكثير من الخريجين أنفسهم أمام واقع محبط يدفع البعض منهم إلى الانحراف، سواء من خلال اللجوء إلى العمل غير المشروع، أو حتى الوقوع في دوامة الإدمان والمخدرات، وهو ما يُهدد النسيج الاجتماعي ويؤدي إلى مشكلات أخلاقية وأمنية متزايدة. وقد حذرت تقارير أمنية من تنامي تعاطي المخدرات في أوساط الشباب العاطلين عن العمل، كونه متنفسًا مزيفًا للهروب من الواقع المرير.
ما المطلوب؟
إصلاح هيكلي للتعليم العالي: بحيث يتم ربط التخصصات الجامعية بسوق العمل، وتحديث المناهج لتشمل المهارات التقنية والرقمية المطلوبة في العصر الحديث.
محاربة البيروقراطية: من خلال تبسيط إجراءات ترخيص المشاريع وتسجيل الشركات، وتقديم حوافز حقيقية للمستثمرين.
تعزيز الشراكة مع القطاع الخاص: لدعم برامج التدريب والتشغيل، وربط الطلاب بسوق العمل قبل التخرج.
استحداث مشاريع وطنية إنتاجية: تستقطب الشباب وتوظف طاقاتهم في مجالات مثل التكنولوجيا والزراعة والصناعة والسياحة.
إن أزمة البطالة بين خريجي الجامعات في الأردن ليست مجرد قضية اقتصادية، بل هي تحدٍ وجودي يمس مستقبل أجيال كاملة. ما لم يتم التحرك بشكل فوري وجاد لمعالجة جذور هذه المشكلة، فإن الكلفة ستكون باهظة، ليس فقط على الاقتصاد، بل على الأمن والاستقرار الاجتماعي أيضًا. إن إنقاذ الخريجين من البطالة والانحراف مسؤولية وطنية يجب أن تتكاتف فيها الجهود الرسمية والشعبية بعيدًا عن الشعارات والخطط النظرية.
الدكتورة ماجدة إبراهيم