نبض البلد - بهدوء
عمر كلاب
الدولة كائن بشري يحس ويشعر، إذا سمك جلدها فقدت قدرتها على الإحساس واذا رقّ كانت حساسيتها أعلى وحتى يبقى جلد الدولة قادرًا على الإحساس والاستشعار عن بُعد، يجب دعمه بلوازم التطرية من كريمات وزيوت، وهي في حالة الدولة المراجعات الدورية لكل المفاصل، وإذا قامت الدولة مؤخرًا بمراجعات ثلاثية الأبعاد فإن جذرًا رئيسًا ما زال غائبًا أو يحظى باهتمامٍ أقل وأعني المراجعات الاجتماعية ليس من بوابة الجريمة الأسرية التي ترتفع نسبها، ولا من بوابة دعم العائلات الرقيقة اقتصاديًا، فثمة لغز مرصود حتى اللحظة يقول بأن مجتمعنا يتراجع على المستويات كلها تقريبًا.
من يسير في الشوارع يدرك تمامًا غياب ثقافة السير على الطرقات، واحترام حقوق الأفراد في السير الآمن، من يقف على باب دائرة حكومية يدرك رغبة الأفراد الكامنة في تجاوز نظام الدور فالجميع يبحث عن واسطة أو صداقة تسمح له بتجاوز الطابور وهذا ينطبق على كل طابور، من طابور المحاسبة في فرن إلى أي طابور أعلى أو أقل فثمة إحساس كامن بتجاوز الآخر والاعتداء على حقه، والجميع يشعر بأن حقه ناقص أو يُعاني من مظلومية ما، وأن الدولة جاحدة وهضمت حقًا من حقوقه وسط تغذية دائمة، من جهات سياسية واجتماعية لهذا الإحساس.
دون مواربة، هناك مسلكيات رسمية تغذي ذلك الإحساس لكنها قابلة للنقد برغبتها أو دونها، والاستجابة لهذا النقد تتراوح من مسؤول لآخر ومن مؤسسة لأُخرى لكن النقد مباح ومتاح، المشكلة في دوائر وبنى اجتماعية وسياسية لا تقبل النقد وتضع نفسها فوق البشر ودون الآلهة، فمن يجرؤ مثلاً على نقد حزب سياسي، أو شيخ من الشيوخ أو بنية اجتماعية وحتى الأندية الرياضية ومؤسسات المجتمع المدني باتت محصنة من النقد وترفض استقباله ناهيك عن أعضاء مجالس الإدارات أو أعضاء مجلسي الأعيان والنواب، فكل البنى الاجتماعية في الأردن متماسكة ولا يأتيها الباطل من خلفها أو من أمامها.
نعيش حالة من تضخيم "الأنا" وحتى العاملين في قطاع الصحافة والإعلام، ممن تجربتهم لا تتعدى أشهر أو ممن وصل بنا إلى الكارثة، لا يستقبل النقد ولا يتفهمه ودوما الوعي بأثر رجعي هو السائد فحين تسمع لمسؤول سابق تشعر أن الحكمة حاضرة ومتأصلة وأن هذا التراجع والترهل نبت شيطاني عبر حوائطنا الاجتماعية والسياسية بفعل مارد جبار فنحن ملائكة ممسكون على الخير، مجبولون على الفضيلة، وكل ما نراه ونعيشه من تراجع عام مؤامرة كونية تستهدف بنيتنا، في حين أننا فرديون جدًا ومصلحتنا الشخصية منارتنا نحو بناء المواقف وردود الأفعال.
لا إصلاح سينجح في بلدنا، دون إصلاح اجتماعي قوامه سيادة القانون أولاً ثم إعادة الاعتبار لكل البنى الثقافية والتربية الوطنية ليس على قاعدة الإصلاح الذاتي أو إعادة التشغيل، بل بمنهج وطني شامل, من التربية إلى الثقافة إلى التعليم، إلى وزارة التنمية الاجتماعية الغائبة عن المشهد، وليس لها في هذا الباب من اسمها نصيب فلا دراسة اجتماعية حاضرة ولا مقاربة رقمية يمكن البناء عليها حتى في محددات الفقر والإعانة فنحن نعمل بلا معرفة وهذا يعني سيادة الشخصنة والفتاوى واستعراض العضلات وهذا لن يسمح بكل عجلة الإصلاح أن تدور.
omarkallab@yahoo.com