نبض البلد -
لم تكتفى القارة الافريقية بتوجيه لطمة قانونية للاحتلال الإسرائيلي من خلال دولة جنوب افريقيا فى محكمة العدل الدولية، بل راحت تشتبك معها دبلوماسيا على صعيد متصل بدعوة حركة دول عدم الانحياز للاجتماع فى العاصمة الأوغندية كمبالا لتدخل القارة الافريقية المعترك السياسي للقضية الفلسطينية والحرب في غزة من أوسع مساحات للاشتباك.
وهو ما يأتي فى ظل تنامي درجة الاستقطاب "الروسي الصيني والامريكي الفرنسي" على مدى الساحة الافريقية وينذر أن ثمة تغيير قادم سيغير معه السمة التى كان عليها الحال سائد بعد نهايه الحرب العالميه الكبرى وتقسيماتها الجيوسياسية، وهو ما بينه مضمون الدعوة التى وجهتها حركة دول عدم الانحياز عندما اكدت على اهمية اعادة التعددية القطبية ترتكز عليها الكرة الارضية من اجل الحفاظ على نظام الضوابط والموازين القطبية بما يحفظ للسلم العالمي موازينه.
كمبالا التى تستضيف حركة دول عدم الانحياز بمجموع 120 دولة تستضيف معها على مستوى منفصل كتلة (77 + الصين) للدول النامية وهو ما يجعل من العاصمة الاغندية تشهد حركة دبلوماسية وازنة لجنوب العالم الأمر الذي يجعل من مقررات كمبالا مهمة على الصعيد السياسي ولها اثر بالغ على المستوى الدبلوماسي فى دعم الجهود العالمية لوقف اطلاق النار فى غزة ودعم المجهودات الدبلوماسية من اجل حصول فلسطين على العضوية الكاملة في الأمم المتحدة، وهو ما يجعل من القارة الافريقية تنتفض من اجل فلسطين العنوان والقضية والتي أصبحت نضالاتها أيقونة الحرية عند الشعوب العالمية.
وهو التحرك الذى يأتى فى سياق المحاولات الدولية لوقف إطلاق النار على أساس دولة فلسطينية وينسجم مع الموقف الأردني العربي الرافض لتسوية القضية الفلسطينية بالطرق العسكرية كما ينسجم أيضا مع مقرارات الشرعية الدولية وآفاق انهاء الازمة المركزية للمنطقة العربية ويؤكد أن اهلية العلاقات الطبيعية تبدأ من هنا ولا تفرض حيث الحلول القصرية.
و هى الحلول التى يستحيل معها التعايش وبناء ارضية عمل تشاركية تستثمر فيها قدرات الجميع المعرفية وموارد الكل الطبيعية والبشرية من أجل نماء المنطقة وتحقيق المنفعة لشعوبها على أن يأتي ذلك من دون "دولة شرطية مركزية" تهيمن بالانابة عليها ضمن تفويض حصرى يفرض عليها.
وهو ما تفهمه واشنطن لكن لا تريد بيانه بل تسعى للالتفاف حوله عبر مسوغات سياسية باتت مكشوفة وغير مقبولة واخذت تهدد مشروعها الاسرائيلي بالمنطقة عندما أفل نجمها الجيواستراتيجي القطب الأحادي وباتت التعددية القطبية تشكل خيار أكثر قبولا عند الجميع نتيجة السياسات الأمريكية التى تصمم على مقاييس انتخابية ذاتية بحتة وليس من اجل بقاء "أمريكا الدولة" مرجعية أساسية متوافق عليها فى حكم العالم هو ما جعلها تفقد "مشروعية القبول" على الرغم من تمتعها "بشرعية النفوذ " ... وهو الأمر الذي باتت بحاجة لمراجعة موضوعية شاملة بمقتضى متغيراته الشاملة.
بعدما أظهرت النتائج المعرفية بإصدار هاواوي أجهزتها النقالة الجديدان الساعة المعرفية بين الصين وأمريكا باتت "خمس سنوات" وبين ان كلف الحماية التى تفرضها أمريكا على شعوب العالم هى كلف باهظة الثمن وإن اوروبا الحليفة المركزية في دول المركز باتت غير قادرة على منافسة روسيا والصين وان دول بركس فى حال تم تثبيتها بعناوين سياسية منضبطه ستبرز معها مفردات جيوسياسية قادرة على المنافسة.
وان دول جنوب العالم اخذت ترفض دور المستهلك المفروض عليها وأخذت كثير من مجتمعاتها ترفض الدور الوظيفي المحدود لها وتبحث عن خيارات اخرى تبعد فيها عن سيف التسلط المفروض عليها، وهو ما تشهده افريقيا فى ظل ثورة إعادة صياغة محتواها الثقافي الذي فرضته اجندة الاحتلال الثقافي الفرنسي عليها مع تنامي الحضور الروسي عسكريا والصيني اقتصاديا في أرجائها.
فهل تستدرك الولايات المتحدة مكانتها فى الشرق الاوسط وتعيد رسم سياستها في المنطقة العربية وتحد من مشروعها الاسرائيلي التوسعي بالهيمنة وتقوم على احترام شعوبها وثقافاتهم وتصغي جيدا لما يقف عليها الأردن فى بيان المحتوى.
فان بقاء الحال على حاله في فلسطين القضية دون حسم قد أوجد كارثة انسانية للشعب الفلسطيني صعبة لكنه عنوان رسالة سياسية دولية داعمة لحقه فى مشروع الدولة وأخذت معها فلسطين تشكل أيقونة للحرية عند دول العالم أجمع وشعوبها، فإن انتصار امريكا لفلسطين القضية يعنى انتصارا للقيم الأمريكية والقانون الدولي ويساعدها بالعودة للمكانه القطبية وهو معطى يجب أن يأخذ بالحسبان عند بيان امر الاستخلاص فى ظل إعادة التقييم الحاصلة للسياسة الخارجية الامريكية التى يعكف عليها بيت القرار الأمريكي في المستويات الامنية العليا.