الدكتور محمد أبو حمور يكتب:" لا أحد فوق القانون" .....ركيزة اقتصادية وتنموية

نبض البلد -
نبض البلد -" لا أحد فوق القانون" .....ركيزة اقتصادية وتنموية
د.محمد أبوحمور 
وزير مالية سابق 
أعاد جلالة الملك عبد الله الثاني حفظه الله خلال لقائه الاسبوع الماضي مع مجموعة من الصحفيين والكُتاب التأكيد مرة اخرى أن لا أحد فوق القانون، مما يشير الى أن الارادة السياسية في الدولة الاردنية معنية بتكريس وترسيخ دولة المؤسسات والقانون.
 وكلنا يذكر ما سبق أن أوضحه جلالة الملك في ورقته النقاشية السادسة بأن سيادة القانون تمكننا من تعزيز منعتنا ومواجهة التحديات بثقة وصلابة ومن تحقيق النمو والازدهار، وهي ما يميز الدول المتقدمة الناجحة في خدمة مواطنيها وحماية حقوقهم، والأساس الحقيقي الذي تُبنى عليه الديمقراطيات والاقتصادات المزدهرة والمجتمعات المنتجة، وهي الكفيلة بتوفير الإطار الفاعل للإدارة العامة، والبانية لمجتمع آمن وعادل؛ فلا يمكننا تحقيق التنمية المستدامة وتمكين شبابنا المبدع وتحقيق خططنا التنموية إن لم نضمن تطوير إدارة الدولة وتعزيز مبدأ سيادة القانون.
 وأضاف جلالته إن مبدأ سيادة القانون جاء ليحقق العدالة والمساواة والشفافية والمساءلة على جميع مؤسسات الدولة وأفرادها دون استثناء وخاصة ممن هم في مواقع المسؤولية، من خلال ممارسات حقيقية على أرض الواقع. ولا يمكن لأي إدارة أن تتابع مسيرتها الإصلاحية وترفع من مستوى أدائها وكفاءتها دون تبني سيادة القانون كنهج ثابت وركن أساسي للإدارة .
 إن التواني في تطبيق القانون بعدالة وشفافية وكفاءة يؤدي إلى ضياع الحقوق ويضعف الثقة بأجهزة الدولة ومؤسساتها. كما أن تساهل بعض المسؤولين في تطبيق القانون بدقة ونزاهة وشفافية وعدالة ومساواة يشجع البعض على الاستمرار بانتهاك القانون ويترك مجالا للتساهل الذي قد يقود لفساد أكبر، بل إلى إضعاف أهم ركائز الدولة، ألا وهي قيم المواطنة.
 أضافة لذلك فأن الحكومة الحالية ولدى طرحها "مشروع النهضة الوطني"، أعتمدت محاور أساسية أولها دولة القانون، لتعزيز حقوق وواجبات الإنسان على أرض الواقع باعتبار أن "بناء دولة القانون والمؤسسات يقود إلى دولة الإنتاج ".
اليوم وفي خضم السعي الحثيث للتغلب على التداعيات الاقتصادية التي خلفتها الجائحة، والجهود المبذولة لبث روح التعافي الاقتصادي فنحن أحوج ما نكون الى الالتزام بالقيم التي تتطلبها سيادة القانون، خاصة وأن الظروف الاستثنائية الحالية تفرض معطيات وتتطلب اتخاذ قرارات غير تقليدية.
 ما يعني اننا الان أمام أختبار حقيقي لمتانة المؤسسات وقدرة القيادات على مواجهة المتطلبات، فالمؤسسات التي ترسخ حكم القانون كانت ولا زالت ركيزة اساسية لتحقيق انجازات اقتصادية عبر تبني سياسات فعالة .
 وقد رأينا كيف استطاعت السلطات المسؤولة عن السياسة النقدية ان تتخذ قرارات سريعة لتأمين ضخ سيولة أضافية في الاسواق عبر الجهاز المصرفي ، والاخير مطالب ان يعكس هذه القرارات عبر تمكين القطاع الخاص من الوصول لهذه السيولة وفق اجراءات سلسة تراعي الظروف الراهنة.
 كما أن الجهات المسؤولة عن السياسات الاقتصادية المختلفة بما في ذلك سياسات الاستثمار والمالية العامة وسوق العمل مطالبة ان تتبنى سياسات وخطط واجراءات قائمة على طبيعة التزاماتها القانونية ومراعية لروح التشريعات ومتناسبة مع الاوضاع الاقتصادية الحالية مع عدم اغفال ما قد يستجد مستقبلاً من تطورات.
 ولا شك بأن التقاعس عن الالتزام بحكم القانون سيؤدي حتماً الى تفشي الاتكالية واللامبالاة تجاه الاوضاع الاقتصادية ، وهذه سيؤدي الى تفشي الفساد وضعف الثقة بين المكونات المؤسسية في القطاعات الاقتصاعية الرسمية والخاصة.
 ومن الامور التي تكاد تكون بديهية تلك المتعلقة بحاجتنا الماسة لتحسين مناخ الاستثمار وهذا يعيدنا الى أهمية ترسيخ حكم القانون وتعزيز الحوكمة الرشيدة للمؤسسات في القطاعين العام والخاص ، فالحوكمة تؤدي الى تأثيرات ايجابية على خيارات المستثمرين المواطنون منهم والاجانب، خاصة وأن لدينا  تكاملية في  أطر الالتزام بحكم القانون بتوفر قضاء نزيه وقادر على سرعة البت في القضايا وايصال الحقوق لاصحابها، فالجهات الاقتصادية الفاعلة عادة ما يهمها توفر اليات قانونية ملائمة واجراءات سريعة وفاعلة تضمن الحقوق وتصون المقدرات.
كما أسلفت فان "لا أحد فوق القانون " تعني سيادة القانون والالتزام بتطبيقه على الجميع دون استثناء وعلى قدم المساواة وهذا أضافة لتوفر عوامل اخرى كفيل بايجاد الظروف الملائمة لتحقيق انجازات تنموية على مختلف الصعد عبر بث الثقة وضمان الاستقرار التشريعي الذي يشكل بيئة حاضنة وداعمة لتشجيع الاستثمارات وتحفيزها وجذبها، وهو السبيل لتنظيم العلاقات بين الدولة ومؤسسات الاعمال وبين الاخيرة والعاملين فيها ما يعني في النتيجة تحقيق معدلات نمو مرتفعة وايجاد فرص عمل واستغلال الطاقات الانتاجية والقدرة على مواكبة المستقبل.
 كما أن عدالة تطبيق القانون تتطلب أيضاً الحد من الاستثناءات أو تقليصها لأدنى حد ممكن مع مراعة المرونة في التشريعات وقدرتها على مواكبة التطورات الاقتصادية في مختلف المجالات مع توفر الشفافية وحرية المنافسة والفرص المتساوية والعادلة.
جدلية العلاقة بين ملائمة التشريعات وتشجيع الاستثمار والاثر المتبادل يكاد يكون جلياً كما هي حاجتنا اليوم للأخذ بيد مختلف القطاعات الاقتصادية سعياً الى تحقيق التعافي، فالاستثمار يشكل قاعدة اساسية للتنمية الاقتصادية التي تتيح بناء مجتمع منتج ومشاريع تساهم في تشغيل الايدي العاملة وتوفير السلع والخدمات، والاستثمار عادة ما يكون له ارتباطات أمامية وخلفية تتيح مزيداً من العمل لانشاء مشاريع اضافية لتترابط فيما بينها عبر سلسلة الانتاج والتوريد وصولا الى تكامل يحقق الطموحات التنموية للمجتمع ويرفع من سويته ومستوى انتاجيته وقدرته على المنافسة ، مايعني في النتيجة تنمية اقتصادية وبشرية واجتماعية وسياسية في اطار بيئة تضمن الحقوق وتحقق العدالة.
من الجوانب المهمة التي لا بد تولى اهتماماً خاصاً موضوع الاثر المترتب على التشريعات وخاصة تلك المتعلقة بتنظيم البيئة الاقتصادية والاستثمارية ، فعندما تقوم أجهزة الدولة بالدور المنوط بها عبر اعداد مشاريع القوانين ذات الاثر على القطاعات والانشطة الاقتصادية المختلفة من المهم ان تراعي الاثر المترتب على هذه القوانين.


 وقد يكون من الاجدى ان يتم تقييم الاثر بالتعاون مع أصحاب المصلحة من رجال أعمال ومستثمرين وذلك تحقيقاً لمبدأ المشاركة ووصولاً الى تفاهمات تحافظ على مصالح مختلف الاطراف وتراعي ظروفهم، ما يعزز الثقة المتبادلة ويضمن التنفيذ النابع من قناعة بأهمية التشريع ودوره في خدمة مختلف الاطراف، وبذلك تعزز الدولة دورها كمنظم للحياة الاقتصادية وكجهة تعمل لتحقيق الصالح العام عبر الحفاظ على مصالح الجهات المتعددة وتسهيل بناء علاقات تعاونية وتكاملية فيما بينها.
تؤكد مختلف الجهات الدولية على أهمية حكم القانون كأحد المتطلبات الاساسية لتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، والتقارير العالمية المتعلقة بالاستثمار والتنافسية وسهولة الاعمال تأخذ في اعتبارها المعطيات التشريعية بجدية تامة، حيث ان التشريعات المعتمدة في بلد ما تعبر عن مضمون وتوجهات السياسة العامة وسبل تحقيقها والادوار المطلوبة من مختلف المكونات الاجتماعية في هذا الاطار وسبل تحقيق التواصل والتعاون فيما بينها لتحقيق المصلحة العامة.
 ويعد الالتزام بحكم القانون بمعنى تطبيقه على الجميع بنفس السوية ودون استثناء شرطاً لتطور الدولة والحفاظ على استقرارها وتأمين سبل ازدهارها وتحسين مستوى معيشة مواطنيها، ومن خلال الأعلان الصادر عن احد اجتماعات الامم المتحدة المعني بسيادة القانون، أشارت الدول الأعضاء إلى أن "سيادة القانون والتنمية أمران مترابطان بشكل وثيق ويعزز كل منهما الأخر، وأن النهوض بسيادة القانون على الصعيدين الوطني والدولي أمر أساسي لتحقيق النمو الاقتصادي المطرد الشامل للجميع، والتنمية المستدامة، والقضاء على الفقر والجوع وإعمال جميع حقوق الإنسان والحريات الأساسية على نحو تام، بما في ذلك الحق في التنمية، وهي أمور تعزز بدورها سيادة القانون”، كما وتشير أدبيات برنامج الامم المتحدة الانمائي الى ان حكم القانون يمكن أن يلعب دوراً محورياً في التنمية الاقتصادية.
لا أحد ينكر ان التشريعات الاردنية تضاهي بجودتها وتطورها أحدث التشريعات العالمية الا أن وجود النصوص القانونية لوحده لا يكفي بل يجب ان يتبع ذلك الالتزام بتنفيذها بعدالة وشفافية ليس من جانب المواطنين فقط وأنما ايضاً من جانب مؤسسات الدولة ومسؤوليها الذين يجب اختيارهم بداية على اساس الكفاءة لنضمن قدرتهم على ممارسة واجباتهم والقيام باعباء وظائفهم بنزاهة وشفافية دون الخضوع لأي ضغوطات أو رغبات أو محاباة أو انحراف عن تحقيق المصالح الوطنية العليا .
وهذا يستلزم توفر الأطر التشريعية المناسبة لتكريس مبدأ المساءلة والمحاسبة، وصولاً الى الحوكمة الرشيدة التي تفتح الافاق لتنمية اقتصادية مستدامة وعادلة تنعكس اثارها على مختلف القطاعات الاقتصادية والمناطق الجغرافية ونلمس نتائجها عبر تحسين حياة المواطنون. 
سيادة حكم القانون تشكل أساساً للتنمية الاقتصادية سواءً من حيث توفر التشريعات التي تنظم النشاطات الاقتصادية وتمنحها الشرعية القانونية والشخصية الاعتبارية أو من حيث كونها تشكل بيئة صالحة للعمل والاستثمار عبر الالتزام بمعايير محددة وواضحة تطبيق على الجميع بعدالة ودون تحيز أو محاباة وتطبيق القانون بنزاهة وعدالة يشكل عامل جذب اساسي للمستثمرين ورجال الاعمال الباحثين عن انشاء استثمارات ذات جدوى وقيمة مضافة.