الدكتور محمد طالب عبيدات

فضيحة بسبع نجوم في زمن كورونا:

نبض البلد -
للأسف زمن كورونا خلق ثقافة مجتمعية غير واعية جعلت من المصابين في فايروس كورونا يشعرون بالفضيحة إذا ما أُصيبوا به لعدة أسباب أهمها نشر أسماء المصابين من قبل البعض على وسائل التواصل الإجتماعي بالإسم الرباعي والرقم الوطني ورقم الهاتف؛ وهذا بالطبع مخالفة قانونية ومخالفة لأصول الخصوصية للناس وحتى لعاداتنا وتقاليدنا وأصول المدنية؛ وحتى أصبح المرضى مع الأسف وأسرهم وأقاربهم يتعيّرون بهذا المرض من قبل بعض الناس غير الواعين والذين لا يدركون بأن ذلك المرض ممكن أن يصيب أي إنسان؛ كما بات المرضى كنتجة لذلك يخفون مرضهم حتى وإن أصيبوا أو شعروا بأعراض المرض؛ والسبب أن المصابين يشعرون أن إصابتهم باتت فضيحة بجلاجل؛ لدرجة أنهم يشعرون أنها أعلى درجة من السبع الموبقات؛ وكأن الإصابة بفايروس كورونا أصبحت عاراً كنتيجة لهذه الثقافة المجتمعية المتجنّية والقاسية والتي لا ترقب في الله إلّا ولا ذمّة:
١. الأصل في المرض أن يكون خاصاً بالناس أنفسهم والخصوصية في ذلك واجب؛ لكن تبويب المرضى لفئات إعلامياً هو الذي شجّع الناس لتعزيز هذه الثقافة المجتمعية التي تبّوب المرضى وفق فئات إصاباتهم ومواقعها ونوعيتها كعرس إربد وسائق التريلا وسائق الخناصري وعمارة الهاشمي وغيرها؛ والأدهى من ذلك أن البعض يبوّب على جداول لكل فئة أسماءهم وتلفوناتهم وأرقامهم الوطنية ومكان سكناهم وغيرها.
٢. بالمقابل فإن نجاح الأجهزة الرسمية بإجراءات الحظر وتطبيق قانون الدفاع وفق التوجيهات الملكية السامية وإلتزام المواطنين وعددهم قرابة العشرة ملايين نسمه في الحجر المنزلي والتباعد الإجتماعي وكل التعليمات الصادرة عن الجهات الرسمية لا يجوز أن يفتك بها مستهتر أو شخص غير واعٍ أو شخص غير ملتزم بلغة القانون؛ ولهذا فالعقوبة المغلّظة له ولكل من ساهم في جعله يخرق منظومة الإجراءات المحصّنة بالفحوصات الطبية وغيرها باتت واجبة كفرض عين.
٣. المنظومة والبيئة الإجتماعية في مجتمعاتنا لا تتحمّل أن يُكتب أو يشار بالهمز أو اللمز للمرضى أو المخالطين أو المُشتبه بهم مهما كانوا؛ لذلك باتت ثقافتنا المجتمعية تصف المرضى بالعار كنتيجة لهبوط في مستوى درجة الوعي العام عندهم؛ ولذلك أصبحت الناس تبادر بالنفي عن إصابتهم أو حتى أقاربهم بهذا لفايروس لظنهم أن ذلك عيب أو عار أو فضيحة لا سمح الله تعالى.
٤. معاودة إنتشار الفايروس في مناطق محدودة وتجدد حالات الإغلاق في بعض المدن كان سببه خطأ بسيط كان من الممكن تداركه لو أن الفحوصات دقيقة والسبب ليس تقصير الكوادر لا سمح الله تعالى؛ لكن المشكلة تكمن بأن نسبة إكتشاف المرض لا تزيد عن ٦٣٪؜ مما يعني بأن المصاب كان من نسبة ال ٣٧٪؜ المتمّمة؛ وبالطبع التدارك لا يمكن أن يتم إلا بإتمام الحجر المنزلي لفترة أسبوعين كاملين ومراقبة المريض والأعراض والتطورات.
٥. ومسألة الحجر الصحي المنزلي الطوعي لمدة أسبوعين أيضاً لا يلتزم بها المرضى كلهم؛ حتى وإن تم توقيعهم على تعهّدات خطية أو كفالات؛ وكما قيل بعض الناس توقّع على شيكات دون رصيد؛ فكيف بها أن تلتزم بتعهد خطي لتراقب أنفسها وتحجر نفسها منزلياً لمدة أسبوعين دون رقيب أو حسيب؛ لذلك مطلوب زيادة قيمة الكفالة وإتخاذ إجراءات أكثر صرامة وخصوصاً على القادمين من الخارج.
٦. مطلوب محاسبة ومساءلة كل من تسوّل له نفسه بتعزير مرضى كورونا أو تبويبهم لفئات والإبقاء على سرية وخصوصية معلوماتهم؛ ومطلوب بالمقابل معاقبة كل مصاب يعرف عن نفسه ولا يلتزم بالفحوصات والحجر والإختلاط بالناس وفق قانون الدفاع ليأخذ جزاءه الصارم لأن الناس باتت تتضجّر من الجلوس في البيوت بعيداً عن بيئة العمل ليأتي مستهتر ويضيّع عليهم فرحة النصر وعيش الإنجازات.
٧. مطلوب أيضاً أن يثق الناس بأنفسهم أكثر وتزداد جرعة تحصينهم المجتمعي والذاتي لكي لا يخشوا أيّ كان أو أيّ جهة تحاول التشهير بهم وإغتيال شخصياتهم أو إبتزازهم؛ وهذا يشجّع المرضى على التعامل مع الحدث دونما أي وجل مما يخفف سرعة الإنتشار كنتيجة للإختلاط غير المبرر أو غير الضروري.
٨. مطلوب أيضاً المحافظة على إنجازنا الحضاري عندما وصلنا لعدد إصابات صفر لمدة ثمان أيام؛ فالواجب الوطني يقتضي الإلتزام ومطلوب بدلاً من أن يعاني المجتمع برمّته من هوج التصرفات وعدم نضوجها؛ وبالطبع لن يتم ذلك إلا بالإلتزام بالتعليمات الصادرة عن خليك الأزمة؛ وخصوصاً أن الحذر واجب هذه الأيام من القادمين من الخارج عبر المعابر الحدودية أو المطارات وبالذات من الدول التي تعاني الأمرّين من الفايروس.
بصراحة: الإصابة بفايروس كورونا شيء طبيعي وممكن أن تحدث مع كل إنسان وبالتالي فهو مرض كأي مرض وليس عاراً أو نقيصة أو فضيحة بجلاجل أو فضيحة بسبع نجوم؛ لكن الحذر بإتباع وسائل الوقاية والحجر الصحي من قبل الناس واجب؛ وكل من يخالف مطلوب من الحكومة محاسبته دون هوادة لأن الناس لم تعد تمتلك ترف الوقت؛ وخصوصا ً أن المسألة تتعلق بالوطن والمواطن.