د. أيّوب أبو ديّة
تخيل دولة الرئيس لو كان الوعد بإنتاج الكهرباء النووية صادقاً وبدأنا بالإنتاج عام 2020 كما كان مقدراً بنحو 2000 ميجاواط من القدرة النووية على إنتاج الكهرباء فماذا ستكون عليه أحوالنا اليوم؟
إذا كانت المشروعات الجديدة من توليد الكهرباء قد توقفت لإشعار آخر نتيجة وصول قدرة الإنتاج لنحو ضعف الحمل الأقصى أو تزيد، ويعتقد الدكتور أحمد حياصات وهو الخبير في هذا المجال كما جاء في الفيسبوك أننا بحلول عام 2021/2022 ستكون لدينا قدرة 2500 ميجاواط إضافية على الأقل في الوقت الذي كانت شركة الكهرباء الوطنية تدفع بدل تعرفة استطاعة لا تحتاج إليها بلغت 400 مليون دينار سنوياً لأن توقعات زيادة الاستهلاك لم تتوافق مع الواقع فلم يتجاوز الحمل الأقصى 3320 ميجاواط عام 2017. وهذه الالتزامات السنوية سوف تزيد في السنوات القادمة بزيادة القدرات الإضافية المتوقعة.
طالما حذرنا أن تقديرات هيئة الطاقة الذرية كانت مبالغا فيها لتبرير إنشاء مفاعلين تجاريين بقدرة 2000 ميجاواط، قابلة للزيادة إلى 5000 ميجاواط. كانوا يروجون لزيادة الأحمال لتصبح 4500 ميجاواط عام 2020 لتبرير وجود مفاعلين بقدرة 2000 ميجاواط إضافية مع أنهما غير مبررين فنياً، حيث من غير المقبول أن تتجاوز قدرة المفاعل الواحد 10% من قدرة الشبكة. فتخيلوا لو أن وعودهم قد صدقت، لحدثت مأساة حقيقية، فبعد إنفاق عشرات المليارات من الدولارات يصبح لدينا إنتاج كهربائي إضافي لا يوجد سوق له كما هي حالنا اليوم؛ كارثة ما بعدها كارثة.
واليوم بات الجميع على معرفة تامة أن عامة الأردنيين يدفعون ثمن سوء التخطيط لمشاريع الطاقة والاستراتيجيات المتتابعة، ولكن ما زال الأردنيون يرون الأشخاص الذين أسهموا في سوء التخطيط وأوصلونا إلى هذا الطريق المسدود على رأس عملهم وينالون المكافات والعلاوات. كذلك الأشخاص الذين منعونا من الكتابة في بعض الصحف الرسمية حول المشروع النووي ما زالوا في أماكنهم قابعين، فأي تخطيط هذا وأي إدارة تلك التي غدت عليها مؤسساتنا الوطنية؟
سوف يصبح لدينا من خلال القدرة على إنتاج الكهرباء خلال سنتين من دون مساهمة المشروع النووي، على الأقل 2500 ميجاواط إضافية بعد دخول مشروع الصخر الزيتي الخدمة قريباً، إلى جانب مشاريع طاقة متجددة أخرى تعتبر أولوية للشراء من شركة الكهرباء الوطنية، بينما بعض محطات التوليد على الوقود الأحفوري التقليدي والغاز تدفع الحكومة لها مقابل قدرتها على التوليد من دون أن تولـّد شيئاً يذكر؛ أي كارثة وصلنا إليها؟
والأخطر من ذلك أن مشاريع الطاقة المتجددة المستقبلية أوقفتها الدولة حتى آب المقبل، وفيما تتحدث الوزارة عن ستة أشهر يخبرنا بعض الخبراء أن المنع ينبغي أن يستمر لخمس سنوات أخرى على الأقل، أي أن يمتد لعام 2024 إلى حين ترتفع قدرة الحمل الكهربائي. فماذا تفعل مئات الشركات التي تعمل في هذا المجال وأين يذهب الخبراء والفنيون والمهندسون الذين يعملون فيها أو المهندسون الذين على وشك التخرج أو الجامعات والكليات التي أسست أقساماً لهذه التخصصات في هذا الوقت الحرج من أوضاع الأردن الاقتصادية المتأزمة؟
وفيما ترى وزارة الطاقة أن الحل يكمن في تصدير الكهرباء، نرى أن ذلك هو هروب من المشكلة لأن الاستعداد لهكذا تصدير يحتاج لسنوات طويلة، وحتى لو استخدمت تكنولوجيا حديثة لتسويقه فهو بطبيعته غير مستدام لأننا لا نستطيع التحكم بمستقبل الدول التي سوف نصدر إليها أو التنبؤ بحاجتها بعد سنوات وبخاصة علاقاتنا السياسية معها.
نحن لسنا دولة في الاتحاد الأوروبي ترتبط بعلاقات مستدامة مع دول الجوار وترتبط بشبكة كهربائية موحدة؛ نحن نعيش معزولين في منطقة ملتهبة غير مستقرة؛ ومن غير المنطقي حل المشكلة بتصديرها المؤقت إلى الخارج. ومن العيب لأي مسؤول من الآن فصاعداً أن يصرح بأن المشروع النووي الأردني هو مشروع استراتيجي، إذ ينبغي توجيه الاهتمام صوب الدولة الوطنية المنتجة وخفض أسعار الكهرباء والتشجيع على استهلاكها في المصانع التي اغلقناها بسياسات التحصيل. وطالما أننا ندفع بدل قدرة من دون إنتاج كهرباء فلنضف مبلغاً بسيطاً إلى تعرفة الاستطاعة الجزائية ونطالب بتوليد الكهرباء ومن ثم نقدمها بسعر التكلفة للصناعات كي تستعيد عافيتها، ونكون بذلك قد خلقنا وظائف وقدرة تصدير مرتفعة وأضفنا إلى الاستقرار المجتمعي أماناً جديداً.
لقد حان الوقت لتصفية هيئة الطاقة الذرية وشركاتها التابعة لها والحاق مشاريعها كالمفاعل البحثي والمسارع الضوئي لهيئة تنظيم قطاع الطاقة والمعادن التابع لوزارة الطاقة.//