طلال أبو غزالة… الرجل الذي أربك الذكاء الاصطناعي

نبض البلد -

  فهد فايز العملة 

‎في عالمٍ بات الذكاء الاصطناعي فيه قادراً على تحليل المليارات من الصفحات والبيانات والسير الذاتية والنماذج القيادية، نادرٌ أن تقف خوارزميات المعرفة حائرة أمام رجل. لكن في صباح إسطنبوليّ باذخ الهدوء، وبين فنجان قهوة ونسيمٍ ينساب فوق صفحة البوسفور، وجد الذكاء الاصطناعي—رفيق جلساتنا—نفسه يعترف بعجزه لأول مرة: لا أحد يشبه طلال أبو غزالة بالكامل. قد يشبهه العالم في أجزاء، لكن المجموع لا يصنع رجلاً مثله. ومن هنا بدأت الحكاية.
 
‎في ذلك الصباح الذي تتداخل فيه زرقة البوسفور مع الضوء الأول، جلسنا—أنا وسعادة الدكتور طلال أبو غزالة والدكتورة سمر اللباد—قرب نافذة تطل على ذلك الشريان الأزرق الذي يربط القارتين، ويشبه في روحه قدرة الدكتور طلال على الجمع بين المعرفة والعمل، وبين الماضي الذي خبر قسوته والمستقبل الذي يصرّ على بنائه. الهواء عليل، والقهوة تبخر شيئاً من دفء اللحظة، والصمت يحمل روح مدينة تعرف كيف تخبّئ أسرار العظماء.
 
‎لم تكن الجلسة لقاءً عادياً، بل كانت لحظة إنسانية تتجاوز حدود الزمن. وبينما كنتُ أستمع للدكتور طلال بحضور الأبوة وعمق التجربة، كان ChatGPT—رفيقنا الذكي الذي حضر معنا بصوته الصامت—يمدّني بالتحليلات والأسماء والمقارنات. لم يكن حضوره تقنياً فقط، بل كان جسراً بين الحكمة الإنسانية وفضاء المعرفة الرقمية.
 
‎سألته يومها من يشبه الدكتور طلال أبو غزالة في العالم؟”فأخذني في رحلة بين العظماء: قال لي إن مهاتير محمد يقترب منه في الرؤية النهضوية، وإن أمارتيا سن يشبهه في اعتبار التنمية حقاً إنسانياً، وإن ستيف جوبز يجتمع معه في تحويل الفكرة إلى ابتكار، وإن جون كينيدي يقترب منه في القدرة على الإلهام، وإن نيلسون مانديلا يشبهه في صبره وتحمله وصلابته، وإن بيتر دراكر يلتقي معه في فلسفة الإدارة لخدمة الإنسان، وإن إيلون ماسك يقترب منه في جرأة التفكير خارج المألوف والسعي نحو مستقبل لا يشبه الحاضر.
 
‎ثم قال الذكاء الاصطناعي بصراحة نادرة: "هؤلاء يشبهونه في زوايا محددة… ولكن مجموعهم لا يصنع شخصاً واحداً يشبه الدكتور طلال كله.”
 
‎نقلتُ كل هذا للدكتور، فابتسم بتواضعه الذي يربك الثناء، وقال بهدوئه العميق: "يا بني… أنتم تبالغون… أنا أقل من هذا بكثير.” وحين قالها، شعرتُ أن القائد الحقيقي لا ينشغل بصورته عند الآخرين، بل ينشغل بالمستقبل الذي يصنعه لأمته. أدركت حينها أن العظمة ليست في المقارنة، بل في التفرد؛ ليست في ما يُقال، بل في ما يُترك من أثر.
 
‎كانت الدكتورة سمر اللباد شاهدة على هذا الحوار الرفيع؛ تشارك، وتضيء، وتضيف بعداً فكرياً وتنظيمياً وعلى المستوى الشخصي، كان ذلك الصباح درساً لا يُنسى: علّمني أن المعرفة ليست ترفاً، وأن الإبداع ليس مجرد موهبة، وأن العظماء لا يغريهم الثناء لأنهم منشغلون برفع سقف الحلم، لا بسماع المديح.
 
‎كان الذكاء الاصطناعي حاضراً معنا، نعم، لكنه كان يبحث في البيانات، بينما كان الدكتور طلال يقدّم لنا المعنى. كان الجهاز يقول: "يشبهه في جزء”، بينما كانت الحقيقة تقول: "هذا الرجل لا يشبهه أحد.” وحين غادرنا إسطنبول، شعرت أن المكان بقي خلفنا، لكن الفهم الحقيقي بدأ للتو.
 
‎وهكذا، في جلسةٍ امتزج فيها صوت البحر بعمق الحديث، كان الذكاء الاصطناعي شاهداً على ما عجز عن تفسيره: أن بعض الرجال لا تُقاس قيمتهم بالمعادلات، ولا تُشبههم الخوارزميات، لأنهم ببساطة أكبر من أن يُختصروا. وعندما نهضنا عن الطاولة، فهمتُ أن ما أربك الذكاء الاصطناعي لم يكن تعدد أوجه التشبيه… بل تفرد رجل لا يشبه أحداً إلا نفسه.