رؤية تتجاوز الضريبة

نبض البلد -
بقلم : هاني الدباس

أثار قرار وزير السياحة بالإعفاء الضريبي عن حفل الفنانة هيفاء وهبي جدلاً واسعاً بين مؤيد ومعارض، غير أن قراءة القرار من منظور استراتيجي وسياحي تكشف أنه خطوة مدروسة تصب في مصلحة الوطن والقطاع السياحي على المدى البعيد، لا مجرد تنازل ضريبي كما يراه البعض.

فالقطاع السياحي ليس مجرد فنادق ومواقع أثرية، بل منظومة متكاملة تشمل الترفيه، الثقافة، والفنون، وهي أدوات فاعلة في الترويج للدولة كوجهة نابضة بالحياة. وحفلات الفنانين العرب والعالميين تعد من أقوى الأدوات التسويقية لوجهات مثل لبنان، دبي، مصر، والبحرين، حيث أصبحت السياحة الترفيهية رافداً أساسياً للاقتصاد وجاذباً لشريحة جديدة من الزوار الذين يبحثون عن تجارب مميزة تتجاوز الإقامة والطعام.

إن إعفاء هذا النوع من الفعاليات من الضرائب لا يعني خسارة مالية، بل هو استثمار غير مباشر في الترويج السياحي. فكل زائر جاء لحضور الحفل أنفق على تذاكر الطيران، الإقامة، النقل، الطعام، والتسوق، مما ينعكس إيجاباً على الإيرادات العامة. كما أن الحدث يخلق حراكاً إعلامياً واجتماعياً ضخماً يعزز صورة البلد كمقصد آمن ومفتوح، قادر على تنظيم فعاليات راقية تحظى باهتمام إقليمي وعالمي.

قرار الوزير يعكس فهمه العميق لطبيعة السوق السياحي الحديث، الذي لم يعد يعتمد فقط على المواقع التاريخية، بل على التجارب والمشاعر والانطباعات. فالسائح الذي جاء لحفل فني سيعود ربما لاحقاً لزيارة البحر الميت أو البتراء، وسينقل صورة إيجابية عن البلد لأصدقائه ومتابعيه على منصات التواصل، ما يضاعف التأثير التسويقي دون كلفة إضافية.

من جهة أخرى، فإن دعم مثل هذه الفعاليات ينسجم مع رؤية الدولة في تنويع مصادر الدخل وتحفيز الاستثمار في القطاعات الإبداعية. فهي تفتح الباب أمام القطاع الخاص لتنظيم أحداث ضخمة تسهم في تشغيل مئات العاملين، من شركات الإنتاج والإضاءة والصوت، إلى النقل والضيافة والمطاعم.

وبذلك، يصبح الإعفاء الضريبي وسيلة لتحريك عجلة الاقتصاد وليس منحة بلا مقابل، ورسالة بأن السياحة الأردنية تسير نحو الانفتاح والتجديد، دون أن تتخلى عن قيمها أو هويتها.

في النهاية، قد يختلف الناس في التفاصيل، لكن الحقيقة تبقى أن القرارات الجريئة هي التي تصنع الفارق، وأن من يفكر في مصلحة الوطن على المدى الطويل لا يُقاس بقرارات آنية بل برؤيته الشاملة. وقرار وزير السياحة بالإعفاء الضريبي عن حفل هيفاء وهبي هو رؤية اقتصادية وسياحية ذكية تستحق الدعم لا النقد، لأنها تضع الأردن على خريطة السياحة الحديثة بثقة وجاذبية.