د. دانا خليل الشلول

في حضرة الفراعنة: الملكة رانيا تصنع جسراً بين "الماضي الأبدي" ونداء الإنسانية العاجل في الشرق الأوسط.

نبض البلد -
في حضرة الفراعنة: الملكة رانيا تصنع جسراً بين "الماضي الأبدي" ونداء الإنسانية العاجل في الشرق الأوسط.

د. دانا خليل الشلول
رسالة ملكيّة من "الهرم الرابع": جلالة الملكة رانيا العبد الله تستثمر الحضور الثقافي لتوجيه الدبلوماسية الناعمة ورسالة وحدة المصير

دلالة الحضور الملكي الأردني في القاهرة... جسر بين الماضي الأبدي والنداء العاجل

لم يكن حضور جلالة الملكة رانيا العبد الله، مُمثلةً عن جلالة الملك عبدالله الثاني، إلى حفل افتتاح المتحف المصري الكبير (المُلقب بـ "الهرم الرابع") مجرد زيارة بروتوكولية، بل كان فعلاً دبلوماسياً عميقاً يحمل أبعاداً استراتيجية وإنسانية؛ فقد كان تأكيداً قويّاً على أن الحضارة المصرية (الماضي الأبدي) هي مصدر قوة لإطلاق نداء الإنسانية العاجل في المنطقة. كما أنّه ولدى وصول جلالتها وسمو الأميرة سلمى؛ كان في استقبالهما شخصياً فخامة الرئيس عبد الفتاح السيسي وزوجته السيدة انتصار السيسي، وذلك في لفتة بروتوكولية رفيعة المستوى عززت رسالة الشراكة العميقة بين قيادتي البلدين؛ ففي هذه المناسبة التي جمعت أنظار العالم وحولتها على عظمة الحضارة المصرية كأكبر متحف أثري في العالم مخصص لحضارة واحدة، وبرز الحضور الأردني ليؤكد على أن التراث المصري ليس مُلكاً لمصر وحدها، بل هو إرث عربي مشترك لا يتجزأ، وأن قوة أي صرح حضاري في المنطقة هي قوة للأمة بأسرها؛ فهذا التوقيت تحديداً، يمنح الحضور الملكي الأردني بعداً إضافياً يربط بين الاحتفاء بالماضي العريق وضرورة الصمود في وجه التحديات الراهنة، ويؤكد عمق الشراكة الوجدانية والعملية بين عمّان والقاهرة.
العمق الأخوي: تجسيد التكامل وأمن المنطقة الإقليمي:

وانطلاقاً من هذا الاستقبال الرفيع، وتأكيداً على هذا المشهد الدبلوماسي، لا بد أن نستنتج أنَّ الحضور الملكي الرفيع هو تأكيد دبلوماسي عملي على متانة العلاقة التاريخية والتنسيق الاستراتيجي المُنقطع النظير بين الأردن ومصر؛ فالأردن ومن خلال واجهته الدبلوماسية التي تُمثّلها جلالة الملكة رانيا العبد الله المعظّمة، يرسخ رسالة إعلامية مفادها الصريح أنّ قوة ومنعة أي صرح حضاري مصري هي إضافة لقوة الإقليم كله، مما يعزز فكرة الأمن القومي العربي المشترك.
فيما أنَّ هذا الحضور المهيب لجلالة الملكة رانيا العبدالله، يؤكد أنَّ الأردن لا يرى في المتحف المصري الكبير   نقطة جذبٍ سياحيّةٍ فحسب، بل مشروعاً قومياً يساهم في تأمين الأمن الثقافي العربي الشامل، بينما يأتي هذا التكاتف الإقليمي يعد ركيزة أساسية للاستقرار، لا سيما في ظل التحديات الجيوسياسية التي تتطلب توحيد الصف العربي.
توجيه الرسائل الملكية عبر منصة عالمية: الدبلوماسية الناعمة بلمسة جلالة الملكة رانيا العبدالله:
فضلاً عن البعد الأخوي العميق بين البلدين الشقيقين، تُعد جلالة الملكة رانيا العبد الله شخصية ملكيّة عالميّة ذات تأثير دولي واسع، وتستثمر حضورها الرفيع لتوجيه رسائل الأردن الدبلوماسية والإنسانية ببراعة فائقة يحتذي بها الكثيرون؛ حيث أنَّ جلالتها تغتنم هذا المحفل لتكون قوة ناعمة أردنية تُرسّخ صورة المملكة كشريك حضاري مستقر ومؤثر، حيث تتركز عليها الأنظار الإعلاميّة العالمية من مختلف البلدان والقارات، فكل تفصيل من حضور جلالتها يتم تناقله والاحتذاء به؛ مما يمنح الأردن منصة إعلامية غير مسبوقة.
كما أنَّ هذا الظهور يعكس قدرة جلالة الملكة رانيا العبد الله على اختراق السرديات الإعلامية المعقّدة لتأكيد محورية الأردن في الحوار العالمي، وهي توجه رسالة بأن القيادة العربيّة الحديثة لا تقتصر على السياسة والأمن، بل تمتد إلى الالتزام بالتراث الإنساني وقضايا المستقبل.
الشباب والتراث: الأميرة سلمى... المُنَفّذ الأول للرؤية الهاشمية
وفي سياق متصل ومُكمِّل، يكتسب وجود سمو الأميرة سلمى إلى جانب جلالة الملكة رانيا العبد الله أهمية قصوى، حيث يتجاوز الأمر مسألة التمثيل العائلي بشكله التقليدي، فلم يكن حضور سموّها بروتوكوليّاً واعتياديّاً بسيطاً؛ حيث يُمثل هذا الحضور تطبيقاً عملياً ومباشراً لرسائل جلالة الملك عبدالله الثاني حول دور الشباب، ويؤكد أن سمو الأميرة هي أول من يمثل وينفذ الرسائل الإعلامية والرؤى الهاشمية بأهميّة صناعة الحاضر الذي ينبع من التاريخ العريق والإرث الحضاري المتأصل الذي يبقى ويستمر بأيدي الشباب التي يؤكّد دوماً جلالة الملك عبد الله الثاني على دورها والآمال العميقة التي تُبنى عليها، كما أنَّ هذا الدمج هو تجسيد لـ "توريث الوعي الحضاري" على أعلى المستويات، ويُعدُّ رسالة عملية لا تكتفي بالخطابات النظرية، فضلاً عن أنَّ جلالتها، من خلال هذا الظهور، تُرسّخ وتؤكد أن القيادة الهاشميّة تربط بين التنمية الثقافية و الاستثمار في تمكين الشباب وريادتهم، مؤكدة أن مسؤولية صون التراث تقع على عاتق الجيل القادم.
وحدة المصير: المتحف الكبير وصناعة الجسر الإنساني لغزة

وأخيراً وليس آخراً، في قلب هذا الاحتفاء الثقافي، يكمن البعد الإنساني الأشد إلحاحاً الذي يركز عليه الأردن ومصر، فيما إنَّ هذا الاحتفاء بصرح عظيم كالمتحف المصري الكبير، في ظل ما يتعرض له قطاع غزة من تدمير ممنهج، يُعد فعلاً من أفعال الصمود الحضاري والأمل، ونستطيع من خلاله أن نستمد رسائل القوة والصمود والثبات لنُصدّرها للعالم.
وفي سياقٍ متّصل، فإنَّ جلالة الملكة رانيا العبد الله، بصفتها صوتاً عالمياً لقضايا العدالة، تصنع بذكاء هذا الجسر الحيوي، وتربط بذكاءٍ وسلاسةٍ بين الاحتفاء بالحياة التاريخية والدعوة لإنقاذ الحياة الإنسانية في غزة؛ فإنَّ هذا التناغم بين الثقافة والإغاثة يُرسّخ فكرة أنَّ الأردن ومصر متحدان في صون الذاكرة والوجود، بالإضافة إلى أنَّ هذا التأكيد على البعد الإنساني المشترك والدعم الحيوي لقطاع غزة؛ بما في ذلك التنسيق المشترك لجهود إدخال المساعدات عبر معبر رفح، وإرسال المستشفيات الميدانية الأردنيّة، يجعل المتحف المصري الكبير في هذا السياق شاهداً على أن الحفاظ على تاريخ المنطقة يبدأ بالحفاظ على وجود وكرامة أهلها اليوم.

الشراكة الاستراتيجية ومستقبل الوحدة:
وباختصار، يمكننا القول بأنَّ حضور جلالة الملكة رانيا العبد الله في افتتاح المتحف المصري الكبير يُمثّل استثماراً دبلوماسياً وإعلاميّاً استراتيجيّاً بالغ الأهمية؛ فقد نجحت جلالتها في توجيه العديد من الرسائل المتكاملة تتمثل في العديد من المحاور؛ كتثبيت العمق الأخوي مع مصر، وإبراز ريادة الأردن في دعم الشباب، والأهم، التأكيد على وحدة المصير الإنساني المشترك تجاه غزة، مستخدمةً منصتها العالمية لتعزيز مكانة الأردن، غير أنَّ هذا الحضور يرسّخ مكانة الأردن كلاعب محوري يسعى إلى مستقبل يقوم على الاستقرار، والعدالة، والاعتزاز بالتراث العربي المشترك.