أبو غزالة: التعليم الرقمي هو المستقبل

نبض البلد - في حوار مع "الانباط".. مؤسس "ابو غزالة العالمية" يفتح ملف التحول الرقمي والتعليم

العالم العربي متأخر رقميا

لا بديل عن البرمجة منذ الصغر

"منحة المليون".. تعليم رقمي يصل لكل طالب عربي

"أبو غزالة الرقمية" تجربة عربية بالفضاء الالكتروني

الأنباط – شذى حتاملة

في زمنٍ تتسارع فيه التكنولوجيا، وتُعاد فيه صياغة ملامح التعليم والعمل حول العالم، تتصاعد الأسئلة الجوهرية: هل لا يزال التعليم التقليدي كافيًا؟ وأين يقف العرب من الثورة الرقمية والذكاء الاصطناعي؟
في هذا السياق، حاورت صحيفة "الأنباط" رئيس ومؤسس مجموعة طلال أبو غزالة العالمية الرقمية، الدكتور طلال أبو غزالة، أحد أبرز رواد التحول الرقمي في العالم العربي، الذي سبق عصره برؤيته المستقبلية وكان من أوائل الداعين إلى الرقمنة في مختلف مجالات الحياة.
في هذه المقابلة، يفتح أبو غزالة ملفات التحول الرقمي والتعليم والذكاء الاصطناعي، متحدثًا بلغةٍ واثقة تعكس عقودًا من الخبرة والرؤية العالمية.

كيف ترى المشهد الرقمي اليوم في العالم العربي؟
أوضح الدكتور طلال أبو غزالة أن العالم يشهد تحوّلًا رقميًا متسارعًا، إلا أن منطقتنا العربية ما زالت متأخرة عن مواكبة هذه الثورة، مشيرًا إلى أنه منذ عام 2001 ترأّس فرق الأمم المتحدة للتحول الرقمي في مجالي التنمية والتعليم، وكان يأمل أن تكون هناك استجابة أسرع لهذا التحول العميق. لكنه يرى أن التفكير ما زال أسير العقلية القديمة، ولا يوجد قرار سياسي حقيقي في معظم الدول العربية لمواكبة التغيير المطلوب.
وأكد أن الثورة التقنية لا تنتظر أحدًا، فكل اختراع يولّد سلسلة من الابتكارات المستمرة، حتى وصلنا إلى مرحلة الذكاء الاصطناعي. وقد أصدر أبو غزالة أول كتاب في العالم حول الذكاء الاصطناعي باللغتين العربية والإنجليزية، يوضح فيه أن الذكاء الاصطناعي هو "برمجة تفاعلية"، أي برامج تُكتب لتقوم بمهام نيابة عن الإنسان وتتفاعل مع برامج أخرى.
وأضاف أنه يفضل استخدام مصطلح "البرمجة التفاعلية" بدلًا من "الذكاء الاصطناعي"، لافتًا إلى أن أبرز التحديات التي تواجه هذا المجال هو الخوف من سيطرة الروبوتات على العالم، ولهذا تم تشكيل فريق من الخبراء في ألمانيا لمواجهة هذا الخطر.
وضرب مثالًا على الاستخدام السلبي للذكاء الاصطناعي بالإشارة إلى استخدام الكيان الصهيوني للروبوتات في الحرب، من خلال إرسال مركبات مفخخة تُوجَّه تقنيًا لتنفيذ تفجيرات، معتبرًا ذلك نوعًا جديدًا من "الحرب بالذكاء الاصطناعي".

هل تعتقد أن هناك إرادة حقيقية على مستوى الحكومات لتبني التحول الرقمي بشكل شامل؟
يرى أبو غزالة أن الإرادة السياسية الحقيقية غائبة، وأنه لا توجد أي دولة استطاعت تحويل مؤسساتها رقمية بالكامل، حتى الجامعات لم تطبق التحول الرقمي جذريًا، بل اقتصر الأمر على رقمنة بعض البرامج أو الدوائر فقط.
وأشار إلى مشروعه الذي يطمح إلى تطبيقه، والمتمثل في إنشاء أول جامعة رقمية عالمية وليست عن بعد، موضحًا أن التحول الرقمي يجب أن يتمحور حول برامج ومناهج ووسائل تدريس رقمية بالكامل، وتمنح شهادات رقمية أيضًا. وأضاف أن الجامعة يجب أن تكون متخصصة بشكل حقيقي، فمثلًا يمكن لطالب الأمن السيبراني أن يدرس فقط المواد المتعلقة بهذا المجال دون الحاجة إلى مساقات غير مرتبطة بتخصصه. وأكد أن وظيفة التعليم اليوم ليست الحفظ بل خلق معرفة جديدة، ويمكن للطالب البحث عبر الإنترنت عند الحاجة للمعلومة.

كيف ترى مستقبل التحول الرقمي في المنطقة خلال السنوات القادمة؟
أبدى أبو غزالة تشاؤمه حيال مستقبل التحول الرقمي في المنطقة، مشيرًا إلى وجود مقاومة كبيرة لهذا التوجه. واستشهد بموقف حدث معه خلال إلقائه كلمة في أحد المؤتمرات، عندما سألته فتاة عن كيفية اختيار شريك الحياة عند التحول الرقمي، فأجابها بأن التحول الرقمي يفتح آفاقًا واسعة للتعارف والتواصل مع أشخاص من مختلف دول العالم، مؤكدًا أن من يتبنى التعليم الرقمي عليه أن يكون رقميًا في فكره وسلوكه.

من أين جاءت فكرة "منحة المليون"؟
تحدث أبو غزالة عن "منحة المليون"، موضحًا أن الهدف منها هو توفير فرصة تعليم تقني مجاني لمن لا يستطيع، سواء لأسباب اقتصادية أو اجتماعية. وأشار إلى أن ظروف السفر الصعبة تمنع الكثيرين من الحصول على التعليم، لذا تم إطلاق هذه المبادرة لتصل إلى الطالب حيثما كان.
وبيّن أن المنحة بدأت بدعم أبناء غزة لمنع توقف تعليمهم في ظل الحرب، وتركزت على المواضيع المهنية وإعادة الإعمار والبنية التحتية. ومع تصاعد الأزمات في دول أخرى، توسعت المنحة لتشمل اللاجئين في مناطق الاحتلال والنزاع، وهي اليوم متاحة لكل عربي بشكل مجاني، ضمن مشروع شامل لنشر التعليم الرقمي وتعميمه.

كيف ساهم التحول الرقمي في تنفيذ منحة بهذا الحجم؟
أوضح أبو غزالة أن نجاح "منحة المليون" يعود بشكل أساسي إلى اعتماده على التحول الرقمي الكامل في إدارة مؤسساته، مبينًا أن من يعيش في العالم الرقمي يخوض "حياتين": الأولى هي الحياة الاعتيادية، والثانية تبدأ عند الاتصال بالإنترنت. وشدّد على أن هذا لا يعني إلغاء الحياة الاجتماعية، فالحياة الاجتماعية ضرورية ولا تنتهي.
وأضاف أن دعوته لاعتماد التعليم الرقمي لا تعني إلغاء التعليم التقليدي، بل يرى ضرورة وجود مسارين متوازيين: مسار تقليدي للحصول على شهادة أكاديمية، ومسار رقمي يؤهل الطالب بالمهارات العملية التي يحتاجها سوق العمل. وأكد أن أحد الأسباب الرئيسة لارتفاع معدلات البطالة هو نظام التعليم القائم على مناهج لا تتماشى مع متطلبات السوق.

ما الأثر الذي حققته المنحة حتى الآن؟ وهل هناك نية لتوسيعها مستقبلاً؟
أكد أبو غزالة أن الأثر الذي حققته المنحة يتمثل في تخريج آلاف الطلبة الذين انتقلوا من ساحات القتال إلى ميادين العمل والمعرفة، وآخرين تحت الاحتلال وفي ظل الحروب.
ووصف هذا الإنجاز بأنه يشعره بالفخر والسعادة، قائلاً إنه يتشرف بأنه كان السبب في تمكين هؤلاء الطلبة من التخرج رغم كل الظروف الصعبة التي مروا بها من حرب واحتلال.

هل تعتقد أن التعليم التقليدي ما زال كافيًا؟ أم أننا بحاجة إلى نماذج جديدة؟
أوضح أبو غزالة أن بعض أفكاره قد تُفهم على أنها معادية للتعليم التقليدي، لكن الواقع أثبت صحتها، والدليل ما حدث خلال جائحة كورونا، إذ كان من أوائل المطالبين بالتعلم والعمل عن بُعد، وهو ما اضطرت إليه مؤسسات ودول كثيرة للتحول إلى التعلم الرقمي.
وأشار إلى أن مجموعة "طلال أبو غزالة" لم تتأثر بالجائحة لأنها كانت مؤسسة رقمية بالكامل، مضيفًا: "نحن في مرحلة يجب أن ندرك فيها أن الحياة قد تغيرت، وأن الشهادة التقليدية لا تزال مطلوبة في بعض الحالات، ولكن من الضروري أن يكون هناك مساران؛ الأول تقليدي للدراسة والتخرج، والثاني رقمي يمكّن الطالب من الحصول على شهادة رقمية."

ما المهارات الرقمية التي يجب أن يتعلمها الشباب اليوم ليكونوا قادرين على المنافسة عالميًا؟
طالب أبو غزالة وزارة التربية والتعليم بضرورة تدريس البرمجة منذ الصفوف الأولى، مؤكدًا أن البرمجة يجب أن تُعامل كلغة أساسية تمامًا كما ندرس اللغات الأخرى، فتعليم الطلبة البرمجة وإتاحة الفرصة لهم للاتصال بالإنترنت ينقلهم إلى عالم الإبداع.
كما عبّر عن رغبته في المساهمة الفعلية في مسار التعلم الرقمي، مشيرًا إلى أنه اخترع نظامًا تعليميًا يستخدم في الصفوف الأولى، يتيح للطالب استخدام جهاز "تابليت" لدراسة المادة التعليمية فقط، مما يسهم في الاستغناء عن طباعة الكتب الورقية وتوفير تكاليفها.

كيف ترى دور الذكاء الاصطناعي في إعادة تشكيل التعليم والعمل؟
بيّن أبو غزالة أن دور الذكاء الاصطناعي في التعليم يتمثل في كيفية برمجة العملية التعليمية، موضحًا أن البرمجة يجب أن تُعامل كلغة إضافية يتعلمها الطالب كما يتعلم باقي اللغات. وأضاف أن الطالب يبدأ بالتعرف على البرمجة كلغة، ثم يتقنها، وبعد ذلك يكون قادرًا على تطويرها بل وحتى ابتكار لغات جديدة، مشيرًا إلى أن "جوجل" مثال على برنامج مبني على برمجيات تفاعلية.

ما هو دور جامعة طلال أبو غزالة العالمية الرقمية في إعداد جيل رقمي عربي قادر على المنافسة العالمية؟
ذكر أبو غزالة أن الجامعة تُعد أول تجربة من نوعها في العالم، فهي جامعة رقمية بالكامل تعمل ضمن "الفضاء الخارجي"، وتهدف إلى تخريج طلبة بتخصصات رقمية متقدمة. وأشار إلى أن التجربة بدأت بشكل تدريجي وبطيء لكنها اليوم أصبحت منطلقًا لإنجازات جديدة، ومن أبرز نتائجها التخصص في الأمن السيبراني وتعليم حماية سرية المعلومات للشركات والمؤسسات، وتخريج خبراء في الأمن السيبراني، إذ تمنح الجامعة شهادات أكاديمية ومهنية معًا.

كيف تدمجون التكنولوجيا والابتكار في البرامج التعليمية لديكم؟
أكد أبو غزالة أن جامعة طلال أبو غزالة العالمية الرقمية تدرس التعليم الرقمي كمسار مستقل وليس كمزيج بين التعليم التقليدي والرقمي، موضحًا أن بعض الجامعات تعتمد الدمج بين النظامين، بينما تعتمد جامعته على التعليم الرقمي بالكامل، فلا يُطلب من الطالب الحضور أو التواجد في القاعات الصفية، إذ يعتمد النظام التعليمي كليًا على المعرفة الرقمية.