“الذكاء الاصطناعي".. حين يمسي الترند تهديدا مباشرا للخصوصية

نبض البلد -

الصرايرة: رفع الصور على تطبيقات الذكاء الاصطناعي يفتح الباب لانتهاك الخصوصية

صالح: صلاحيات هذه التطبيقات قد تؤدي إلى اختراق الأجهزة والتنصت وسحب البيانات

الأنباط – آية شرف الدين

شهدت منصات التواصل الاجتماعي خلال الأشهر الأخيرة انتشاراً واسعاً لترندات تعتمد على تقنيات الذكاء الاصطناعي، أبرزها دمج الصور الشخصية مع صور مشاهير أو أشخاص متوفين أو حتى مع لقطات من الطفولة.

وقد لاقت هذه الترندات إقبالاً لافتاً من المستخدمين الذين وجدوا فيها مادة ترفيهية مسلية ومؤثرة، إلا أن خبراء الأمن السيبراني والبرمجيات الرقمية حذروا من أن وراء هذه المتعة مخاطر جدية تتعلق بالخصوصية وحماية البيانات الشخصية، خصوصاً مع توسع استخدام تطبيقات غير معروفة المصدر أو مشبوهة.

 

تحذيرات رسمية من وحدة الجرائم الإلكترونية

وفي بيان صادر عن وحدة الجرائم الإلكترونية التابعة لمديرية الأمن العام، حذرت الوحدة من خطورة إساءة استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي (AI) في التلاعب بالصور أو مقاطع الفيديو أو الصوتيات، مبينة أن هناك من يقوم بتزييف الصور ودمجها بهدف التضليل أو الإساءة أو حتى الاحتيال. وأشارت الوحدة إلى أن هذا النوع من المحتوى المضلل قد يؤدي إلى التباس لدى المتلقي، وأحياناً يسبب أضراراً مباشرة للأشخاص الذين تطالهم مثل هذه المواد.

وأكدت الوحدة أن بعض الأفراد ينخرطون في ممارسات من هذا النوع لدوافع اجتماعية أو نفسية، بينما يسعى آخرون لاستغلالها في عمليات نصب إلكتروني. ودعت في ختام بيانها إلى تجنب أي استخدام خاطئ لتطبيقات الذكاء الاصطناعي في تعديل أو معالجة الصور والفيديوهات بشكل ينتهك الخصوصية، محذرة من التعرض للمساءلة القانونية، وشددت بالقول: "لا تكن سبباً في نشر الصور أو الفيديوهات أو المعلومات الخاطئة والمضللة، وكن مسؤولاً في استخدام التكنولوجيا”.

 

التطبيقات تجمع البيانات وتخزنها بشكل تلقائي

من جانبه، قال مهندس البرمجيات وخبير التكنولوجيا الرقمية أحمد الصرايرة في حديثه للأنباط إن الترندات الشائعة مثل رفع الصور على تطبيقGemini من جوجل أو تطبيق Nano Banana، الذي يحول الصور إلى رسومات ثلاثية الأبعاد أو صور بوليوودية كلاسيكية، تنطوي على أضرار واضحة بالخصوصية. وأوضح أن هذه التطبيقات، التي أنتج بعضها أكثر من 500 مليون صورة في غضون أسابيع قليلة، قد تبدو ممتعة، لكن رفع الصور إليها يعني بالضرورة دخولها في منظومات جمع وتخزين بيانات واسعة.

وأشار الصرايرة إلى أن تطبيق Gemini مثلاً يقوم بمعالجة الصور باستخدام تقنيات مثل Google Lens لفهم محتواها، بما في ذلك الوجوه والنصوص. وبيّن أن هذه الصور تُحفظ تلقائياً في سجل نشاط الحساب (Gemini Apps Activity) بشكل افتراضي، حيث يمكن الوصول إليها لاحقاً من حساب جوجل الخاص بالمستخدم، وتُستخدم هذه البيانات في تحسين الخدمات وتدريب نماذج الذكاء الاصطناعي.

وأضاف أن سياسة جوجل تسمح باستخدام الصور المرفوعة، إلى جانب الاستعلامات والمحادثات، في تطوير وتحسين الخدمات. وبذلك، إذا تضمنت الصور وجوهاً أو تفاصيل شخصية مميزة، فإنها قد تُستغل في تحليلات جماعية، ما يزيد من احتمالية التعرف على الهوية أو استخدامها في عمليات احتيال في حال تعرض البيانات للاختراق.

وأشار الصرايرة إلى أن خبراء أمنيين، بينهم باحثون من جامعة ماريلاند، حذروا من أن رفع ملايين الصور يومياً ضمن هذه الترندات قد يؤدي إلى مخاطر سرقة الهوية أو الاستخدام غير المصرح به للبيانات. وأضاف أن جوجل لا تشارك الصور مباشرة مع جهات خارجية، لكنها قد تُراجع أحياناً من قبل موظفين بشريين لأغراض الجودة إذا كانت ميزةKeep Activity مفعلة. كما أوضح أن الصور المولدة عبرGemini تحمل علامة مائية غير مرئية(SynthID) تؤكد أنها صادرة عن الذكاء الاصطناعي، بينما الصور الأصلية التي يرفعها المستخدمون لا تحظى بهذا الضمان.

وتحدث الصرايرة عن وقائع مثيرة للجدل، حيث أبلغ بعض المستخدمين على إنستغرام عن ظهور تفاصيل شخصية لم تكن موجودة أصلاً في الصور الأصلية، مثل شامات حقيقية أو ملامح غريبة، ما أثار التساؤلات حول إمكانية تذكر التطبيق لبيانات سابقة مرتبطة بحساب المستخدم. وأشار كذلك إلى أن الشرطة في بعض الدول مثل الهند حذرت من انتشار تطبيقات مزيفة تنتحل اسم Gemini وتستخدم للاحتيال الإلكتروني.

 

خطوات وقائية لحماية الخصوصية

واقترح الصرايرة عدة خطوات لتقليل المخاطر، من أبرزها تعطيل خيار حفظ النشاط من خلال صفحة (myactivity.google.com > Gemini Apps Activity) وإيقاف ميزة Keep Activity. وأوضح أن هذه الخطوة تمنع حفظ الصور والمحادثات لفترات طويلة، بحيث تُعالج مؤقتاً فقط لأغراض الاستجابة للاستعلام.

كما شدد على ضرورة تجنب رفع الصور الحساسة مثل صور أفراد العائلة أو الأصدقاء أو أي تفاصيل تعريفية، والاكتفاء باستخدام صور عامة أو مأخوذة من مكتبات الصور الجاهزة(Stock Images) عند الرغبة في تجربة هذه الترندات. وأوصى أيضاً بمراجعة إعدادات الخصوصية عبر (myaccount.google.com/privacycheckup) للتحكم في خيارات Activity Controls وAd Settings، مع حذف الصور المرفوعة يدوياً بعد الاستخدام.

وأشار الصرايرة إلى أن جوجل تتيح للمستخدمين الانسحاب من استخدام بياناتهم في تدريب الذكاء الاصطناعي عبر إعدادات خاصة ضمن Gemini Apps Privacy Hub، مؤكداً أن قراءة التعليمات الرسمية تبقى ضرورية لفهم حدود الخصوصية. وختم بالقول: "إذا كان الاستخدام من باب الترفيه، فالتأثير يظل محدوداً في حال ضبط الإعدادات، لكن رفع صور شخصية يحمل بلا شك مخاطر حقيقية”، على حد تعبيره.

 

التطبيقات المجهولة أخطر من المتعة التي تقدمها

من جانبه، قال المهندس أحمد صالح، المتخصص في الأمن السيبراني والجرائم الإلكترونية، إن الخطر الأكبر يكمن في التطبيقات غير المعروفة المصدر التي ظهرت بكثرة مؤخراً على منصات التواصل الاجتماعي. وأوضح أن هذه التطبيقات غالباً ما تطلب صلاحيات واسعة تشمل الوصول إلى الاستوديو والميكروفون وحتى بيانات حساسة أخرى، ما يجعلها قادرة على التجسس أو التحكم بالجهاز عن بُعد.

وأشار صالح إلى أن الشركات العالمية الكبرى مثل "ميتا” (فيسبوك، إنستغرام، واتساب) توفر حماية نسبية أكبر، بينما تمثل التطبيقات الفردية أو المطورة من قبل مبرمجين مجهولين بيئة خصبة لزرع "أكواد خبيثة” (Malicious Code) تمكن من اختراق الأجهزة وسرقة البيانات. ولفت إلى أن ما تقدمه هذه التطبيقات من مزايا مثل استرجاع الذكريات أو تعديل الصور لا يساوي حجم المخاطر الأمنية التي قد يواجهها المستخدمون.

وختم صالح تحذيراته بالدعوة إلى الاكتفاء بتنزيل التطبيقات من الشركات الموثوقة والمعروفة عالمياً، وتجنب الانجرار وراء التطبيقات مجهولة المصدر مهما بدت مغرية، مؤكداً أن التهاون مع هذه الترندات قد يحول المتعة الرقمية إلى تهديد مباشر للخصوصية الشخصية وسلامة الأجهزة.