علم يُرفرف فوق كل مبنى": قرار وطني يعيد تعريف الهويّة والجمال

نبض البلد - "علم يُرفرف فوق كل مبنى": قرار وطني يعيد تعريف الهويّة والجمال

د. دانا خليل الشلول
أعلام الأردن: رايات فخر تزيّن المباني وتعزز الهوية الوطنية

يُعَدّ العلم الأردني رمزاً مقدساً يحمل في طياته خلاصة تاريخ حافل بالتضحيات والإنجازات، فالعلم رمز وطني عريق، وليس مجرد قطعة قماش بألوان محددة، بل هو تجسيد للهوية الوطنية، ووعاء يضم أحلام الأجداد ورؤاهم وطموحات الأجيال القادمة، فمنذ اللحظة الأولى للثورة العربية الكبرى، التي انطلق فيها الأردنيون مع إخوانهم العرب ساعين بكل عزيمةٍ لتحقيق الحرية والاستقلال، كان العلم يرفرف شاهداً على العزيمة والإرادة، فقد ارتبط هذا العلم بمسيرة بناء الدولة، ومراحل تطورها، وظل حاضراً في كل إنجازٍ وطني وفي قلوب الأردنيين المحبين لوطنهم المعطاء، ليعبر عن روح أمةٍ لا تعرف المستحيل.
وفي خطوةٍ ذات دلالات عميقة ومدروسة بوعي، صدرت مؤخراً تعليمات تلزم المباني الجديدة بوضع سارية للعلم الأردني على واجهاتها، ليكون هذا الإجراء بمثابة إعلان رسمي عن احتضان الوطن لكل شبر من أرضه، ليعكس كل مواطن أردني حبه لأردننا على أرض الواقع بالواقع، ليؤكد أنَّ الانتماء ليس مجرد شعار، بل هو ممارسة يومية تتجلى في أدق التفاصيل،كما أنَّ هذا القرار، الذي قد يبدو للبعض مجرد إجراء شكلي، يحمل في طياته فوائد وطنية وجمالية لا يُمكن إغفالها؛ فعلى الصعيد الوطني، تُسهم رؤية العلم الأردني يرفرف فوق كل منزل ومبنى في تعزيز الشعور بالانتماء والولاء للوطن، فضلاً عن أنَّ هذا القرار يُعبّر عن رؤية تُجدد فينا العزيمة والإصرار على المضي قدماً في بناء الأردن القوي والمزدهر، كما أنها تذكّر الأجيال الشابة بتاريخ الأردن المجيد، وبمسيرة النهضة التي يقودها الهاشميون، مما يساهم في بناء وعي وطني متجذر يعتز بالماضي، ويعمل للمستقبل.
من جهةٍ أخرى، فإنَّ لهذا القرار الوطني فوائد تتجاوز المظهر الجمالي للبلاد؛ فعلى الصعيد الجمالي؛ فإن الأعلام الأردنية ستضفي على المدن والمباني طابعاً مميزاً وفريداً، فبدلاً من واجهات المباني الخرسانية المتشابهة، ستتحول المدن الأردنية إلى لوحة فنية تعجّ بالحياة والألوان، تُعبّر عن روح الأردن النابضة، وستكون كل سارية علم بمثابة بصمة شخصية لكل مبنى، ورمزاً يربط الفرد بالمجتمع، والمبنى بالوطن، حيث أنَّ هذا القرار يجمع بين الجانب العملي والجمالي، ويحول المباني من مجرد مساحات للسكن إلى رموز حية للفخر والانتماء.
كما أنَّ هذا الإجراء يعكس اهتمام القيادة الهاشمية الراسخ في تعزيز قيم الولاء والانتماء للوطن؛ فهو ليس مجرد قانون يفرض التزاماً، بل هو دعوة مفتوحة لكل مواطن للاحتفاء بوطنه، والتعبير عن حبه له بطريقة ملموسة، فالوطنية ليست شعوراً خفياً في القلب فحسب، بل هي فعلٌ يظهر في السلوك، وفي كل ما نقوم به، ووضع العلم على المباني هو أحد هذه الأفعال التي تُترجم الحب للوطن إلى واقعٍ ملموسٍ يراه الجميع.

فضلاً عن أنَّه من المهم أيضاً أن نضع هذا القرار في سياقه العالمي، فهو ليس حالةً فريدة من نوعها، ففي العديد من الدول حول العالم، تُعَدّ قوانين رفع العلم الوطني على المباني جزءً لا يتجزأ من ثقافة المجتمع؛ وعلى سبيل المثال؛ في الولايات المتحدة، يوجد "قانون العلم" الذي ينظم كيفية رفع العلم الأمريكي واحترامه، وفي دول أوروبية وآسيوية، يُعدّ رفع العلم في المناسبات الوطنية أمراً شائعاً ومُحبباً، بل وفي بعض الأحيان يكون إلزامياً؛ ما يجعلنا موقنين أنَّ هذه الممارسات الدولية تؤكد أن العلاقة بين المواطن وعلمه هي علاقة عاطفية ورمزية، وأن الحكومات تسعى دائماً لترسيخ هذه العلاقة من خلال تشريعات وإجراءات بسيطة لكنها مؤثرة.
وبعيداً عن الجوانب المعنوية، فإن لهذا القرار بُعداً اقتصادياً إيجابياً لا يمكن تجاهله؛ فالطلب المتزايد على سواري الأعلام والأعلام نفسها سيُحدث حراكاً في السوق المحليّة، ويدعم بشكل مباشر الصناعات الوطنية المختصة في هذا المجال، فضلاً عن أنَّ هذا الحراك الاقتصادي سيُساهم في خلق فرص عمل جديدة، وسيعمل على تحفيز الإنتاج المحلي؛ مما يعود بالنفع على الاقتصاد الوطني ككل، كما أنَّها فرصة للورش والمصانع الأردنية لتقديم منتجات عالية الجودة، تعكس فخرها بالهوية الوطنية وتساهم في بناء الاقتصاد.

وفي سياق متصل، يفتح هذا القرار آفاقاً جديدة للمهندسين المعماريين والمخططين العمرانيين لتتكامل الأعلام مع الفن المعماري الحديث بلمسةٍ وطنيّةٍ عصريّة؛ حيث ستُتاح الآن آمامهم الفرصة للإبداع ودمج سارية العلم في تصميم المباني كجزء أصيل من العمل الفني، بدلاً من أن تكون مجرد إضافة لاحقة، كما يمكن أن تصبح السارية عنصراً جمالياً يبرز جمال المبنى وانسجامه مع البيئة المحيطة، حيث إنّ هذا الدمج بين الوطنية والفن المعماري سيمنح المحافظات الأردنية بمدنها وقراها هويةً بصرية فريدة تعكس روحها الأصيلة وتطلعاتها المستقبلية.


بينما لا يقتصر القرار على مجرد رفع العلم، بل يمتد إلى مسؤولية الحفاظ عليه وصيانته، وذلك لأنَّ هذا الالتزام يعزز الشعور بالمسؤولية لدى المواطن تجاه رمزه الوطني؛ فصيانة العلم والسارية بشكل دوري يضمن بقاء العلم مرفوعاً بشموخ، وغير باهت أو ممزق، مما يعكس احتراماً للرمز الوطني؛ وهذا الجانب من القرار يربي الأجيال على احترام الرموز الوطنية، ويجعل من عملية العناية بالعلم جزءاً من الواجب الوطني اليومي.
وأخيراً نستطيع القولَ جازمين إنَّ قرار رفع العلم على المباني هو دعوة للوحدة والافتخار، وهو خطوةٌ حكيمة ومُباركة، تُسهم في بناء مجتمعٍ أكثر تماسكاً، ووطنٍ أكثر قوة، كما أنّه دعوة للجميع للمساهمة في جعل الأردن واحة من الفخر والانتماء، حيث يرفرف العلم عالياً، ليُعلن للعالم أن هذا الوطن هو مكانٌ للحياة، والعزيمة، والمجد؛ ففي كل صباح، ومع كل نسمة هواء، سيُرفرف العلم الأردني على آلاف المباني، ليُجدد العهد، ويُرسّخ الولاء، ويُؤكد أن الأردن سيبقى دائماً قلعة شامخة، بقيادته الحكيمة وشعبه الوفي.