د. أيوب أبودية يكتب :الضمان الاجتماعي يُضعف قوتنا الشرائية

نبض البلد -
الضمان الاجتماعي يُضعف قوتنا الشرائية
د. أيوب أبودية

يُشكّل الضمان الاجتماعي في الأردن مظلة حماية أساسية لشرائح واسعة من المواطنين، غير أنّ واقع الرواتب التقاعدية وما يطرأ عليها من زيادات سنوية زهيدة يثير الكثير من الجدل، الى جانب الكميات الكبيرة من المتقاعدين المبكرين التي تزيد من الأعباء المالية على المؤسسة، فضلا عن زيادة إقراضها للدولة الأردنية دون سداد كاف ملحوظ.

  المعاشات التي يتقاضاها المتقاعدون تزداد عادةً بنسب محدودة جدًا، قد لا تتجاوز في معظم الأحيان واحدًا بالمئة، وهي حالتي الشخصية بالمناسبة  أو بسقف محدد في السنة، وهو الحد الأعلى الذي نصّ عليه القانون. هذه الزيادة تبدو ضئيلة جدًا إذا ما قورنت بمعدل التضخم السنوي، الذي بلغ في عام 2024 نحو 1.56%، وقفز في الأشهر الأولى من عام 2025 إلى أكثر من 2%. وبينما ترتفع أسعار السلع والخدمات بوتيرة متواصلة، يفقد المتقاعدون تدريجيًا قوتهم الشرائية، فتتراجع قدرتهم على تغطية نفقات المعيشة الأساسية.

 النتيجة المباشرة لهذا الوضع أن شريحة كبيرة من المتقاعدين باتت تعيش في ضائقة مالية متفاقمة، إذ يزداد الفقر عامًا بعد عام مع اتساع الفجوة بين الدخل الثابت والتكاليف المعيشية المتزايدة. فهل هذا حال العالم كله؟

عند مقارنة التجربة الأردنية مع دول أخرى، يتضح مدى الفارق. ففي الولايات المتحدة، تُربط زيادة رواتب التقاعد بمؤشر أسعار المستهلك، بحيث يحصل المتقاعدون في عام 2025 على زيادة بنسبة 2.5%، وهو ما يضمن لهم الحفاظ على قدرتهم الشرائية. وفي بريطانيا، يُطبق نظام "القفل الثلاثي” الذي يربط التقاعد بأحد ثلاثة معايير: التضخم أو نمو الأجور أو نسبة 2.5%، ويتم اختيار الأعلى بينها، وهو ما منح المتقاعدين في بريطانيا زيادة قدرها 4.1% في أبريل 2025. أما في كندا، فتتم مراجعة الرواتب التقاعدية بشكل دوري لتتماشى مع معدل التضخم، لتتراوح الزيادات ما بين 2% و2.7% هذا العام. 

هذه السياسات تعكس فلسفة واضحة مفادها أن دخل المتقاعد يجب أن يبقى متناسبًا مع مستوى المعيشة، بحيث لا يتحول التقاعد إلى عبء مضاعف في سن يُفترض أن ينعم فيه الإنسان بالاستقرار ويسد حاجاته الأساسية.

لذلك يبدو أن السياسة المتبعة في الأردن حتمت على  المجتمع الأردني أن يشهد تفاقمًا في معاناة كبار السن الذين قضوا أعمارهم في الخدمة العامة أو القطاع الخاص، ليجدوا أنفسهم في مواجهة غلاء معيشة يتصاعد بوتيرة تفوق بكثير أي زيادة يحصلون عليها من الضمان الاجتماعي.

هذا الواقع يفرض تساؤلات جدية حول الحاجة إلى إعادة النظر في آلية احتساب الزيادات التقاعدية، بحيث تُربط فعليًا بمعدل التضخم أو نمو الأجور من دون سقوف متدنية تُفرغ النصوص القانونية من مضمونها. فالتجربة العالمية تثبت أن ربط المعاشات بمؤشرات اقتصادية واقعية هو السبيل الوحيد للحفاظ على كرامة المتقاعدين وضمان حياتهم الكريمة، والحفاظ على زخم الاقتصاد وسرعة عجلته،  وهو ما يستحق أن يكون على رأس أولويات السياسات الاجتماعية في الأردن خلال السنوات المقبلة، بما في ذلك صندوق التقاعد في نقابة المهندسين الذي أوسع أعضاءه فقرا وتنكيلا وان الأوان أن تستلم الحكومة إدارته.

لن نتحدث عن متوسط المعاش التقاعدي في الأردن شهريًا كي لا نقع في أخطاء بحكم عدم التخصص ولكن يستطيع كل متقاعد ان يقارن راتبه بمتوسط المعاش التقاعدي الشهري في الولايات المتحدة مثلا والذي وصل إلى نحو 1,976 دولارًا في عام 2025 ، وقد ارتفع بمقدار حوالي 50 دولارًا نتيجة تعديل تكلفة المعيشة (COLA) بنسبة 2.5% .

أما في المملكة المتحدة، فالمعاش التقاعدي الحكومي الجديد (للذين بلغوا سن التقاعد بعد 6 أبريل 2016) يُصرف بمبلغ 230.25 جنيهًا أسبوعيًا، أي حوالي 11,973 جنيهًا سنويًا (أي نحو 998 جنيهًا شهريًا، أي نحو 1230 دولارا أمريكيا)، بزيادة بنسبة 4.1% في أبريل 2025، بموجب سياسة "القفل الثلاثي" التي تضمن أعلى بين التضخم أو نمو الأجور أو 2.5 % .
                       
                       
هذا الاختلاف الجوهري في الآليات يُفرّق بين واقعين: ففي الأردن، تزيد المعاشات بمبالغ ثابتة، بغض النظر عن ارتفاع التضخم أو تكلفة المعيشة، ما يؤدي إلى تآكل تدريجي في القوة الشرائية. أما في أمريكا وبريطانيا، فالمعاشات ترتفع ديناميا لتعكس واقع التضخم أو نمو الأجور، مما يساعد المتقاعدين على الحفاظ على مستوى معيشة كريمة في هذا الزمن الصعب.