ولي العهد وإحياء خدمة العلم… تجديد العهد مع الهوية الوطنية الأردنية

نبض البلد -
ولي العهد وإحياء خدمة العلم… تجديد العهد مع الهوية الوطنية الأردنية

بقلم: عماد عبدالقادر عمرو

في زمن التحولات الكبرى، ومع اشتداد الأزمات التي تعصف بالمنطقة، يعود الحديث مجددًا عن الهوية الوطنية الأردنية، بين من يحاول إعادة صياغتها، ومن يسعى لتفريغها من مضمونها أو تذويبها في مفاهيم غامضة تحت عناوين براقة. لكن الحقيقة التي لا جدال فيها أن الهوية الوطنية الأردنية ليست مصطلحًا أكاديميًا قابلًا للتجريب، ولا مشروعًا سياسيًا طارئًا، بل هي عقد انتماء راسخ، تشكّل عبر نضالات هذا الشعب الأبي، وارتوى بدماء شهدائه، وتبلور في ضمير الشعب الأردني كأسمى قيمة وأقدس عهد.

هذه الهوية ليست ملكًا لفئة أو شريحة، بل هي مظلة جامعة لكل أبناء الوطن، تحكمها قيم العدالة والمواطنة والمساواة، وتكفل لكل أردني الحق في أن يكون شريكًا كاملًا في بناء الدولة، وأن يتحمل المسؤولية الكاملة في الدفاع عنها. فهي انتماء صادق للأرض، وولاء ثابت للقيادة الهاشمية، واحترام مطلق للقانون والدستور كمرجعية عليا فوق كل اعتبار شخصي أو فئوي.

لقد ضمت هذه الهوية تحت مظلتها الأردنيون من شتى المنابت والأصول، مما يعزز النشأة القومية للمملكة الأردنية الهاشمية، التي استمدت رسالتها من الثورة العربية الكبرى، وظل الجيش الأردني منذ النشأة وحتى اليوم، باسم الجيش العربي، رمزًا للدفاع عن الأرض والانتماء الوطني، وحاملاً لقيم الولاء والانضباط.

لقد كانت العشائر الأردنية، وما تزال، الحارس الأمين لهذه الهوية، والسند الراسخ للدولة في أحلك الظروف. وفي كل مفصل تاريخي، كانت العشيرة عنوانًا للتماسك الوطني، ومصدرًا للرجال الذين لبّوا نداء الوطن دون تردد، حاملين أرواحهم على أكفهم دفاعًا عن الأرض والعِرض والكرامة.

ولأن الهوية الوطنية الأردنية ليست مجرد حدود جغرافية أو تعريف سياسي، فقد حملت في جوهرها رسالة عربية وقومية، جعلت من فلسطين قضيتها الأولى، واعتبرت الدفاع عن القدس جزءًا من عقيدتها الوطنية، وحافظت على الوصاية الهاشمية على مقدساتها باعتبارها أمانة لا تسقط بالتقادم.

اليوم، ومع التصريحات العدوانية لرئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو عن ما يسميه "إسرائيل الكبرى”، والتي تحمل تهديدًا مباشرًا لأمن الأردن واستقراره، تتأكد الحقيقة أن الهوية الوطنية الأردنية ليست زينة خطابية، بل خط الدفاع الأول في معركة البقاء والسيادة.

وفي هذا السياق، فإن أهم عنصر لتعزيز الهوية الوطنية الأردنية، وخاصة بين أهم شريحة في المجتمع وهم الشباب، هو خدمة العلم (الخدمة العسكرية الإلزامية) التي تعزز روح الانتماء والانضباط والجاهزية الوطنية، بما يجعل كل شاب أردني جنديًا محتملًا في معركة الكرامة والسيادة. واليوم، ومع إعلان سمو ولي العهد عن عودة خدمة العلم، نكون قد دخلنا فعليًا في مرحلة جديدة ومهمة من مراحل ترسيخ هويتنا الوطنية، وإحياء قيم الالتزام والمسؤولية التي شكّلت على الدوام جوهر الشخصية الأردنية.

إن مواجهة هذه التحديات لا تكون بالشعارات وحدها، بل بخطة متكاملة تجعل من الهوية قوة فاعلة، تشمل ترسيخ التاريخ النضالي للأردن في مناهج الأجيال، وإطلاق خطاب وطني واعٍ في الإعلام يواجه التضليل ويحفظ الوعي الجمعي، إضافة إلى تعزيز الوحدة الداخلية وسيادة القانون على الجميع، والموقف الدبلوماسي الصلب الذي يفضح مشاريع الاحتلال في المحافل الدولية، مع الحفاظ على جاهزية دائمة للجيش والأجهزة الأمنية لحماية الحدود والسيادة.

ويقع على عاتق السياسيين والإعلاميين، وكل الشخصيات الوطنية والعشائرية المؤثرة، واجب وطني لا يقبل التهاون، يتمثل في ترسيخ الهوية الوطنية الأردنية في وعي الناس، وجعلها جزءًا من حياتهم اليومية، وتوحيد الخطاب حولها ليكون صوتًا واحدًا في مواجهة الأخطار. فالهويّة ليست موضوعًا للترف الفكري أو النقاش الهامشي، بل هي درع الأردن في وجه التحديات، وسلاحه في معركة البقاء، ورسالة للأجيال بأن الأردن بيتهم الكبير الذي لا يفرّط فيه إلا خائن، ولا يصونه إلا الشرفاء.

الهوية الوطنية الأردنية هي ميثاق شرف وعهد حياة، نرعاه بقلوبنا ونصونه بسواعدنا، ونورثه للأجيال كما ورثناه من الآباء والأجداد. إنها البوصلة التي لا تحيد عن الحق، والحصن الذي لا يُخترق، والسور الذي يعلو فوق كل خلاف.

ومن أراد أن يعرف معنى الانتماء، فليقرأ سطور تاريخ الأردن، وليشهد كيف كان، وسيبقى، جسرًا للعزة، وحصنًا للكرامة، وبيتًا كبيرًا يتسع للجميع… لكنه لا يقبل المساومة أو المساس .