القبيلة والطائفة: بين الولاء الوطني والارتهان الإقليمي

نبض البلد -

أحمد الضرابعة

ما يفعله البدو في جنوب سورية هو اختبار عملي لقدرة الروابط القبلية في الدول العربية على التحرك ضمن أطر عسكرية غير رسمية لتحقق أهدافًا وطنية لا تستطيع تحقيقها السلطات الرسمية في بلدانها بسبب القيود السياسية أو حسابات الأمر الواقع، وهذا يدخل في إطار العمل الوطني الهادف عن طريق إسناد الدولة في تأدية وظائفها عندما تعجز عن القيام بذلك بواسطة مؤسساتها الرسمية، وقد أثبتت القبيلة قدرتها على إنتاج الولاء الوطني إذا تم إدماجها بالفعل في مشروع الدولة الحديثة، وبالتالي فإن الرهان عليها في أوقات الأزمات من الصعوبة بمكان أن يخسر.

على النقيض من ذلك، كثيرًا ما أثبتت الروابط الطائفية نزعتها الدائمة للخروج عن الصف الوطني في بلدانها، بل وارتهانها المُذلّ للمشاريع الإقليمية التي تُغذي الانقسام وتفتت الوحدة الوطنية. فالطائفة غالبًا لا تتأخر في تعريف نفسها خارج حدود الدولة وفقًا لمصالح إقليمية أو أيديولوجية عابرة للحدود، وهو ما يجعلها عرضة للاستغلال السياسي إن لم تكن شريكة عن سبق إصرار في تمرير مشاريع معادية داخل البلدان التي تنتشر فيها، وهناك العديد من الأمثلة التي يمكن إدراجها في هذا السياق، مثل الطائفة الشيعية في لبنان التي تأزمت علاقتها بالدولة الوطنية نتيجة ارتباطها بالمشروع الإيراني. حتى إن بعض الطوائف السنية في بلدان مثل انقسمت في ولائها للدول الإقليمية مثل السعودية وتركيا وقطر، وفتحت أبواب بلادها للتدخل الأجنبي، وهو ما عمق الأزمات السياسية فيها.

رغم هذا التمايز بين القبيلة والطائفة، فإن الخلل مرده عجز الهويات الوطنية في بعض الدول عن نقل المواطنين على اختلاف هوياتهم الفرعية إلى دائرة انتماء واحدة، قادرة على احتواء التعدد ومنع التفكك حتى في الظروف الاستثنائية.