الكاتبة صمود غزال تتقدم بطلب الزواج من جورج عبدالله

نبض البلد -
الكاتبة صمود غزال تتقدم بطلب الزواج، على صفحتها الشخصية، من المناضل التقدمي جورج إبراهيم عبدالله (٧٤) عامًا، الذي سيفرج عنه، بتاريخ ٢٥ تموز الحالي، بعد أن أمضى ٤١ سنة في السجون الفرنسية: بغض النظر عن الطلب وغرابته،تمعنوا بالكلمات جيدًا؛ دلالات ومضامين وأبعاد فالنص ايضا قطعة ادبية رائعة جدا

**
جورج عبد الله،
أتقدّم إليك بطلب الزواج…

قد تضحك، وأنا أضحك الآن — لا من عبثٍ، بل من الجد الذي يأتينا متخفيًا في ثياب المزاح.
دعنا نقُل إنني قررت أن أعيش مراهقتي المؤجّلة بين الكلمات، أن أكذب على الزمن كما كذب عليّ، وأرتكب حماقة الحُبّ علنًا.

أنا الفتاة التي تطلب يدك،
والمرأة التي على الأرجح لن تمسك بيدك يومًا — لكن، وماذا في ذلك؟
أما تعلّمنا أن الحريّة تبدأ بالاعتراف؟

اسمي صمود غزال.
فلسطينية الاسم، والأصل، والقضية.
لبنانية بالجنسية، التي جاءت متأخرة، لا من باب العدالة أو الانتماء، بل من باب الرحم.
كنت، ببساطة، رحمًا
لثلاث نُطفٍ لبنانية — وهذا ما منحني حق ورقةٍ لا وطن.
قسوتي في القول ليست غصبًا، بل صدقًا.
هذا البلد الذي عشت فيه وآمنت به، ومنحته ثلاثة أرواح، لم يبادلني سوى بالريبة.

تخيّل لو كان العكس:
نُطفة فلسطينية، ورحم لبنانية — لا جنسية، لا حق، لا ورقة.
المرأة لا تمنح أطفالها الجنسية، والفلسطيني لا يُرى إلا تهديدًا.
مضحك… لكنّه الواقع.

لكن لا أريد أن أغرقك في وجعي. سأكمل التعارف. أنا أمّ لثلاثة أطفال.
وهذا، في نظري، أعظم ما صنعت.
لا لأنني ولدتهم، بل لأنني ربّيتهم، وشددت عودهم في زمن هشّ.
لكن لن أكذب — لا أريد مزيدًا من الأطفال.
كل طفل يولد الآن، إن لم يكن ناجيًا، فهو مشروع تافه في مسرح الإمبريالية.

أنا في الثامنة والثلاثين.
وهذا امتياز.
عمري يُشبه عُمرك في السجن.
أنت كنت حرًّا خلف الجدران،
ونحن كنا عبيدًا طلقاء.
ورثنا الأحقاد، أورثنا الجبن، وكذبنا على كل شيء، حتى على معنى الانتماء.
أنتَ، بقيت نقيًّا،
أحببت شعبًا نسيك، وبلدًا لم يحررك.
أتُصدق؟
كثيرون لا يعرفون من تكون.
بالنسبة لهم، أنت "اسم” في نشرة أخبار منسية.

فلنكن صريحين.
إن وافقت، فلن أعدك بزواج ابدّي، ولا بحياة وردية.
لكنني أعدك بشيء واحد: قضايا لا تنضب.

نساء يُقتلن باسم الشرف على يد رجال بلا شرف.
لاجئون ينتظرون منذ قرنٍ الرحيل الأخير أو العودة الأولى.
أيتام بلا ظل، جرحى بلا صوت، جوعى بلا وطن.

أعدك بمعارك لن تملّ منها.

لا أحبّ الأعراس ولا الحفلات.
لكن أحبّ أن ألبس عروسًا فستانها.
تخيّلني أقف بجانب العروس،
وأنت تقف بجانب العريس، تهمس له بشيء،
وأنا أهمس للعروس: "لا تكوني نسخة عن أمك”.

أحلم بشهر عسل على متن سفينة متجهة إلى غزّة لكسر الحصار،
أن نبني بيتًا من حجارة الجنوب،
أن نزرع الأرض.

وإن رفضت؟
فلا بأس.
لقد محوت فكرة الزواج أصلًا.
طلبت فقط لأنني أردت أن تضحك….

طلبي الأخير:
أحبّ نفسك،
أحبّ حريّتك،
أحبّ إخفاقاتك كما تُحبّ انتصاراتك،
لكن… لا تسامح عدوك.
لا تسامحه أبدًا.